أنس أبوشعالة/ كاتب ليبي
مما لا شك فيه أن الحرب التي دارت في العاصمة في الأسابيع الفائتة وما أنتجته من حالة فوضى وهلع ونزوح للمدنيين وسقوط عدداً ليس بالبسيط من الأرواح والإصابات والخسائر المادية وما شكلته هذه الحرب من ضغط هائل على المجلس الرئاسي وحشره في زاوية المسؤولية والالتزام بوضع معالجات دقيقة لتجاوز هذا الحدث الذي هدد بشكل غير مسبوق استمرارية الرئاسي وتآكل قدرته حتى على الوجود المادي ناهيك عن الشرعية التي صارت مصطلحاً فارغاً من محتواه لعدم انطباقه البتة على أي جسم من الأجسام الموجودة إذا ما أعملنا معايير الشرعية والمشروعية النمطية والمعروفة متجاهلين الأمر الواقع الذي نعيشه بما يجعل الحديث عن الشرعية بشكل منفصم عن تفاصيل الواقع ضرب من ضروب المزايدة وتأزيم المأزوم أصلاً .
إلا أن الأسلوب (المطاطي) إن صح التعبير الذي تعامل به المجلس الرئاسي مع الأزمة وتكيفه مع تطورات المواجهات المسلحة والهدوء الذي قد يصفه الغير بالبرود، مكّن الرئاسي من النجاة من موجة تسونامي عاتية كادت تعصف بوجوده وتنهي أي أساس لأي سلطة سياسية مهما ساء أدائها حتى لا يكون حينها من أي قاعدة تنطلق منها أي عملية انتقال أو تغيير سياسي ويبدأ حينها العمل من نقطة “تحت الصفر” وهذا ما جعل كافة الأطراف حتى المتصارعة “سياسياً” تحاول استغلال الأزمة لتمرير مقترح تغيير السلطة من خلال خلافتها سياسياً لا من خلال إسقاطها أو “إعدامها سياسياً” بقوة السلاح، ومن هنا بان حذر الجميع من احتمالية الانهيار الكامل والمفاجئ للمجلس الرئاسي.
من كل ذلك وبموضوعية لا تنتمي إلى عاطفة الولاء أو البراء من المجلس فإن هذا الأخير استطاع تجاوز تلك الموجة العاتية، بيد أن هذه الفرصة أراها الأخيرة ولن تتاح له غيرها إن لم يشرع في إصلاحات حقيقية على كل الأصعدة وفي ظني أن الجانب الخدمي والاقتصادي والمعيشي بصورة عامة هو الجانب الأكثر أهمية بالنسبة للمواطن الذي لم يعد يهتم بمناورات الساسة بقدر اهتمامه بلقمة عيشه واطمئنانه على نفسه وعرضه وماله وتوافر الحد الأدنى من الخدمات وهذه الاستحقاقات أراها أولى من أي استحقاق سياسي يرتبط نجاحه بالضرورة بالنجاح في الاستحقاق الخدمي والمعيشي للمواطن.
هل يستطيع المجلس الرئاسي اغتنام فرصته الأخيرة في تغيير ما في المشهد وأخد زمام المبادرة بحيث يحيي الأمل في توافر الحد الأدنى من العيش الكريم ويعطي لنفسه كسلطة رصيداً يطيل في عمره ما تبقى من المرحلة الانتقالية التي يفترض أن تكون الأخيرة قبيل العودة الى صوت الشعب من خلال انتخابات يجتمع فيها الجميع على اعتبارها مسطرة التعايش السياسي بين المتنافسين على السلطة ومسلكاً وحيداً لتداولها ؟
هذه الأسئلة إجاباتها على عاتق المجلس.. إما يفلح ويبقى ما تيسر له من مدة وإما يرسب في امتحانه الأخير فتعصف به هزة ارتدادية ستكون أشد بأساً وفتكاً من سابقتها.
التدوينة تكيف الرئاسي مع التسونامي السياسي … حرب طرابلس المنصرمة نموذجاً ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.