إسماعيل القريتلي
تصريحات الأميركيين والطليان والفرنسيين والإنجليز من سياسيين وعسكريين تتطابق للتأكيد على أن أولويتهم في ليبيا منحصرة عند منع تنظيم الدولة من السيطرة على ليبيا وعدم توسعه في شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء ودوّل غرب إفريقيا، ووقف موجات الهجرة غير القانونية من ليبيا نحو أوروبا التي قد تحمل معها خلايا التنظيم النائمة.
الداخل الليبي منقسم على الكليات التي لم تنجح هيئة وضع الدستور في التوافق بشأنها وانتهى بها الأمر إلى تعليق عديد الأعضاء عضويتهم مبررين ذلك بسيطرة الاتجاهات والتوجهات الجهوية داخل الهيئة، وليس بعيدا أن يفسر تعليق العضوية بمبررات جهوية من المعلقين كذلك ربما لعدم اعترافهم بمطالب جهات أخرى.
ويظهر الانقسام بوضوح في النزاع السياسي منذ انتخابات المؤتمر الوطني العام سنة 2012 في رفض قوى سياسية وجهوية الانتخابات واتسع النزاع بقرار المؤتمر رقم 7 الذي أباح الهجوم على مدينة بني وليد ثم تأكد في مناقشات فإقرار قانون العزل السياسي الذي عكس حجم التنازعات تحت قبة المؤتمر الوطني وفي خيام الاعتصامات ثم ظهور حراك لا للتمديد ومخرجات لجنة فبراير وكذلك في خطف المسؤولين وإظهار تسجيلاتهم للناس، واتضحت ملامحه بجلاء في انتخابات هيئة الستين ومجلس النواب على التوالي.
النزاع المسلح كان سابقا لبدايات النزاع السياسي ومصاحبا له وأحد مخرجاته فالجنوب ومناطق الحدود والمنافذ كانت مسرحا لنزاعات عرقية وسياسية وجهوية أساسها المال والنفوذ. وظهرت نزاعات مسلحة سياسية وفكرية وجهوية في بنغازي، وسياسية وجهوية بطرابلس وكلها ذات صلة بالسيطرة والنفوذ والمال.
وفي فبراير 2014 بدأت ملامح النزاع السياسي العسكري تتقاطع في إعلان حفتر رفضه لما وصف بالتمديد ومؤازرة قيادات عسكرية وسياسية ومجتمعية لهذا الإعلان دون أن يتمظهر هذا الإعلان في مخرجات مشاهدة سوى سيطرة كتائب بعينها على طرابلس ثم اندلاع عملية الكرامة في بنغازي لتعقبها عملية فجر ليبيا والتي كانت أهم مخرجاتهما الانقسام السياسي والتشريعي والحكومي مما أثر سلبيا على الأوضاع المالية والاقتصادية لحد يتوقع معه انكماش كامل للاقتصاد الليبي ونفاذ للاحتياطيات الأمر الذي يحول بين الحكومات وقدرتها على تقديم أبسط الاحتياجات والخدمات بسبب توقف الإنفاق الحكومي.
ومن أهم مخرجات الانقسام السياس والاحتراب الداخلي موجات الانتقال الديمغرافي بين مناطق النزاع الجهوي والسياسي فهناك ما يشبه حركة تهجير واسعة لمن يعرف عليه تأييد لفجر ليبيا أو الكرامة.
القوى الإقليمية المحيطة بليبيا يتوزع تأييدها على مكونات النزاع والاحتراب الليبية وفق مصالحها ووعلاقاتها التاريخية والاجتماعية مع ليبيا وكذلك منافساتها على النفوذ في شمال إفريقيا وإفريقيا.
العامل الأهم الذي تجمع عليه القوى الخارجية ولا يظهر كأولوية لدى فسيفساء الانقسام والاقتتال الليبي هو تنظيم الدولة الذي بدأ يبسط نفوذه في ليبيا مستفيدا من استمرار النزاع والاحتراب والمزايدات بين الفرقاء الليبيين.
وتنظيم الدولة يمثل القوة الوحيدة حاليا القادرة على بسط سيطرتها على ليبيا لأنه يملك وسائل الحصول على المال تكفيه للتوسع وتوفير موارد للإنفاق فقط على أفراده وعملياته من خلال فرض المكوس على المجتمعات المحلية وبسط السيطرة على عمليات التهريب في ليبيا التي تشمل النفط الخام ومشتقاته وموجات الهجرة غير القانونية نحو أوروبا التي تشارك فيها عشرات الآلاف من تجمعات بشرية ضخمة تحيط بليبيا لم تعد تملك أي خيارات للعيش أو حتى أمل في توفر تلك الخيارات وبالتالي باتت رحلات الهجرة الطويلة تمثل لهم الأمل الوحيد.
مزايدات الفرقاء المنقسمين والمتحاربين في ليبيا ستمكن أكثر لتنظيم الدولة في المقابل تتحول ليبيا إلى منطقة عمليات عسكرية واسعة تتواجه فيها مع التنظيم في معارك ثم حروب ربما تتسع
وسط هذا الازدحام الخارجي والمحلي وعدم توفر إجماع أو أغلبية محلية بشأن أولويات تتعلق بحماية وحدة الجغرافية السياسية للدولة الليبية التي تعيد سيطرتها على الموارد القومية المتمثّلة في النفط والضرائب مما يساعد لاحقا في إعادة بناء الوحدة المجتمعية المرتبطة برؤية قومية تحقق مصالح ومطالب المجتمعات المحلية المتناقضة جهويا وعرقيا وسياسيا.
من المتوقع أن تعجز مراكز النزاع السياسي والعسكري عن إدراك مخرجات استمرارها في المزايدات والتنافس في لعبة تسجيل النقاط كما حدث عندما فشل الحوار الليبي الليبي ورفض البرلمان تمرير حكومة الوفاق وزار السراج حفتر.
كل هذه المزايدات المتوالية من المنخرطين في النزاع المسلح والسياسي في أي مستوى من مستويات النزاع ستوسع الفجوة أمام إمكانية تحقيق إجماع أو أغلبية محلية بشأن أولويات الدولة الليبية والمجتمع تفكيكا وتركيبا ومدى الإمكانية لتحقيق تقاطعات مصالح مع القوى الخارجية الغربية والإقليمية بما يضمن حماية الجغرافية السياسية للدولة الليبية ومواردها القومية.
يبقى أهمية الإشارة إلى اقتصادات الحروب والنزاعات السياسية والجهوية وما ينتج عنها من مراكز قوة ونفوذ قد لا تكون مدركة من أغلب المؤيدين للاقتتال بالمشاهدة والمتابعة عبر الشاشات أو بالهتاف في الساحات؛ فالحروب والنزاعات والانقسامات تدمر كل البنية التحتية للرقابة والشفافية والمحاسبة وتصبح أولويات النزاع والحرب منحصرة في استمرارها لتستمر نفوذ مراكز القوة والنفوذ السياسي والمالي حيث للحروب اقتصاد يقوم على تجارة السلاح والذخيرة وتوفير المقاتلين وما يتعلق بكل ذلك من خدمات لوجستية واسعة داخل وخارج الدولة وتبرز الصراعات بشأن المؤسسات المالية لبسط السيطرة عليها لضمان استمرار الحرب.
مع استمرار الحروب والنزاعات تنشأ مراكز قوة ونفوذ كبرى منقسمة ومتحاربة تتدثر بخطابات أخلاقية ونضالية تضمن استمرار تبعية قطاعات من ديمغرافية الليبيين وهذا يضمن توفر مقاتلين يشكلون أحد أوراق أو كروت اللعبة السياسية مع استمرار شعارات حماية دماء الشهداء في كل خندق على أطراف ساحات الحرب الأهلية.
اقتصاد ونفوذ الحرب والنزاع تشكل عوامل رفض مستمرة لأي محاولة للسلام والتفاوض لإنهاء الحروب والنزاعات لأنها تعني وقف لاقتصادات الحرب والصراع والانقسام وإنهاء لمراكز القوة والنفوذ الناتجة عنها والمسيرة لها في نفس الآن.
التدوينة الاحتمالات في ليبيا من منظور أولويات القوى الكبرى وصراعات الداخل ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.