صلاح الشلوي
بدون ديباجة ولا مقدمة، فبراير حركة عفوية تلقائية غير منظمة ولا مخطط لها ولا موجهة توجيها مركزيا من مركز قيادة وسيطرة موحد، وبدون رؤية سياسية كاملة، لا يستطيع مدعى أن يدعى بأنه خطط أو دبر ولا ليوم واحد قبل انفجار الموقف، ولا حتى تنبأ بشكل علمي يصلح كإطار معرفي يقرأ المستقبل في ضوء معطيات الواقع وقوانين حركة التاريخ.
فبراير انتفاضة عارمة ضد الواقع، وحركة تغيير تحولت من حركة منخفضة الوتيرة مطالبه محدودة ضمن مطالب اجتماعية وحريات محدودة، إلى حركة تغير عالية الوتيرة بل وطغى العنف والخشونة على منطق الحراك والثورة في مواجهة صلب وعنت وقسوة النظام وقبضته الحديدية الباطشة، ولم يترك للناس من خيار سوى المواجهة المسلحة لإسقاطه وترغيم أنفه في التراب.
أما بعد
هل صاحبت ثورة فبراير أخطاء؟ نعم حصل.
هل شوهت الثورة من قبل أهلها واصحابها ؟ نعم حصل.
هل استدرجت الثورة حتى صارت حراكا عشوئيا ؟ نعم حصل.
هل بنت الثورة عقلها السياسي؟ كلا لم يحصل بعد.
هل استطاعت الثورة استكمال طريقها لبناء الدولة؟ لم يحصل بعد.
هل تعرضت صورة الثورة في نفوس من جاءت من أجلهم إلى التشويه؟ نعم حتى تمنى بعضهم عودة الاستبداد والظلم.
هل هناك حركة ثورة مضادة لحركة ثورة فبراير ؟ قطعا نعم.
إذا ما الذي تحتاجه فبراير اليوم على أبواب ذكراها الخامسة؟
لا شيء سوى فبررتها من جديد. أي إعادتها على إعدادات المصنع.
بأنها ليست حركة نهابة جاءت لتأكل ميراث الدولة ولا بديل عن الدولة.
بأنها لا تعطي قداسة ولا حصانة لأحد. بل القانون فوق الجميع.
بأنها هدمت معابد الاستبداد ولن تبن معابد أخرى محلها.
إنها عقد اجتماعي جديد بين أبناء الوطن تقطع الطريق على كل مغامر يطمح أن يحل محل الطاغية الهالك ولا حتى بذريعة دينية فقهية مستخرجة من عصور تخلف الأمة وانحرافها عن نهج الاسلام في حرية الناس وحقهم في اختيار من يقود البلاد ويدير شؤونها.
لافض عودة ممارسات النظام البائد.
رفض عودة رموز النظام البائد ممن تورطوا في سياسات الاستبداد.
بناء الدولة على قاعدة المساواة بين الليبيين وتكافؤ الفرص.
الاعتراف بأن عنوان الدولة الجديد هو فبراير.
نحترم حق من يريد أن يعارض ولكننا لا نتردد للحظة في سحقه إن حمل في وجوهنا السلاح.
لا مكان بيننا للإرهاب ولا مبرر له بأي حال من الأحوال ويجب الوقوف في دحره صفا واحد.
نريد أن نعيش في سلام وحسن جوار مع مصر والسودان وتشاد والنيجر والجزائر وتونس وبقية الدولة الإقليمية والعربية والإسلامية والمجتمع الدولي.
لا للمزايدة بالشريعة فهي روح المجتمع وعقلة وضميره وسلوكه ولا ينبغي لأحد أن يتخذ منها قميصا لعثمان ويحتكر تفسيرها وتمثيلها والتحدث باسمها. بل الدستور هو التكييف الوحيد للعقل المجتمعي في تعاطيه مع الشريعة، والآراء والتوجهات والاجتهادات نحترمها ولكن شيئا منها غير ملزم لا للدولة ولا للمجتمع إلا بقدر ما يتفق مع ما تختاره المدونات القانونية التي تصيغها المجالس التشريعية التى ينصها قانونها الأساس على مرجعية الشريعة الإسلامية بما يحسم الجدل والخلاف أمام الأمزجة والاختيارات الشخصية.
الانقلابات لعنة الدولة الوطنية لم تنجوا منها بلد عربي وقاهر مقومات تلك البلدان ولم يجر عليها سوى الويل والظلم والوبال، فالانقلابيون هم طاعون هذا العصر.
لابد من رجوع العقلانية الاجتماعية إلى عقل الثورة وقبولها بمشاركة الجميع والانفتاح على المخالف حتى يأمن جانبها ويشعر أنها مقننة ومعقلنة وليس ثور هائج لا يلوى على أحد.
هل هذا يتم بمجرد الأماني الطيبة ؟ كلا ليس شيئا من ذلك إلا وهو جهد جبار وأمر دونه خرط القتاد، ولكن لابد منه كي تسلم فبراير وتقوم على رجليها في شكل؛
دولة مسؤولة عن تصرفاتها بمؤسسات قوية فاعلة، وقوانين تم الاتفاق عليها، وجهاز ينفذ ذلك بطريقة يشعر الجميع معها بأنه جهاز وطني يصلح كأداة لتقنين نشاط كل أبناء الوطن، وليس وسيلة لنهبة خزائنه والفرار بها وراء البحار أو تجميدها في عقار.
بدون شك هناك خلاف سياسي ولكن هذا أمر طبيعي ويمكن أن يستمر معنا لفترات طويلة، ولكن هل لفبراير من فرصة لتوفير جهاز دولة يدير هذا الاختلاف بشكل يحفظ ويضمن وجود الجميع؟
الأيام القادمة حبلى بالمفاجأت والمزيد من الأحداث التي تحدث بشكل طبيعي بين يدي الولادة العسرة، فلابد من آلام مخاض من أجل سلامة المولود وأمه.
التدوينة فبررة فبراير ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.