طرابلس اليوم

الاثنين، 26 ديسمبر 2016

من وحي 24 ديسمبر

,

عطية الأوجلي
لم تكن السنوسية مجرد طريقة دينية… فما أكثر الطرق الدينية ببلادنا وبشمال أفريقيا… ولكنها كانت حركة “إصلاحية تجديدية” استلهمت رؤاها من تعاليم الاسلام السمحاء، ومن سيرة الرسول ومنهاج الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والتأليف بين قلوب الناس بالكلمة والعمل والقدوة…. لم يحمل مؤسسها “السيف” قط. ولم يستعمل القوة قط لحث الناس على العودة إلى تعاليم الدين الحنيف.

استطاع ببراعة وبروح مثابرة و”بإخلاص وتفاني” نادرين أن يجعل من منطقة برقة “منطقة آمنة” بعدما سادتها الحروب والنزاعات قبل قدومه. واستطاع ان يوظف كل الطاقات من حوله الى خدمة الأهداف السامية دونما تعصب أو انحياز…. كان رحمه الله رجلا عمليا ميدانيا.

وعند وفاته استلم القيادة من بعده السيد المهدي.. الذي امتد تأثير السنوسية في عهدة الى دواخل افريقيا.. وشهدت صحارى البلاد التي كانت تمثل طريق القوافل والتجارة ومصدر الثراء آنذاك شهدت “أمن وأمان” لم تره منذ قرون… حتى أن أحد الرحالة كتب متعجبا.. “كيف يستطيع هذا الرجل ان يتحكم في الطريق من الجغبوب حتى غدامس بكلمة فقط .. دونما ان يمتشق الحسام”… وكان الرحالة يشير الى المهابة التي يتمتع بها المهدي بحيث تكفي كلمته فقط ليطاع أمره.

وكان ثالث القادة لهذه الطريقة هوالشخصية الاستثنائية السيد أحمد الشريف الذي جمع ما بين القيادة الدينية والعسكرية والسياسية… والذي تجسدت في سيرته قيم النضال والاصرار والصبر الجميل… ولكن “العواصف” التي هزت العالم الاسلامي انذاك كانت “اكبر” من قدراته فأضطر الى الانسحاب نحوالنمسا ثم تركيا وأخير السعودية حيث توفى ودفن هناك.

وتولى السيد أدريس الزعامة لأرض “محتلة” و”شعب منهك فقير منقسم على نفسه:…. ودول كبرى “تتنازع” النفوذ عليه… تولاها في أحلك الظروف عقب أن تخلت تركيا عن ليبيا بعد أن ورطتها في حرب على الجبهة المصرية تمكن الانجليز فيها من الحاق هزيمة قاسية بالمجاهدين الليبيين… وفي ظل “حصار ومجاعة نتيجة الجفاف والاقتتال” استطاع “بصبر ومثابرة” من ان يعيد صياغة اهداف حركة الجهاد ومن ان يقودها… رغم “الانقسامات الشهيرة والمزمنة لأبناء ليبيا”.. الى شاطئ الاستقلال.

وتمكن ايضا من بناء دولة “دستورية” بمؤسساتها في زمن كان “الدستور” يبدولشعوب الشرق حلما بعيد المنال… وقاد “نهضة سياسية واقتصادية وتعليمية ” مميزة لازالنا نحصد بعض من بقاياها. لم ينزلق رحمه الله في مغامرات خارجية رغم الضغوط الدولية .. ولم يسع الى “المجد الشخصي” أو “الثراء الفاحش” ولم “يسلط افراد عائلته على اقدار الليبيين وأرزاقهم”…. واستطاع بحنكة وإصرار وتبصر.. ان يقود هذا الشعب رغم كل الصعوبات والتحديات الى الاستقلال والى دولة عصرية بمؤسساتها ودستورها… لازلنا نكتشف كل يوم حقائق مذهلة عنها. …. رحمك الله ايها الشيخ الجليل واعاننا على ان نفيك جزء من حقك ميتا بعد أن عجزنا عن ذلك في حياتك.

التدوينة من وحي 24 ديسمبر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “من وحي 24 ديسمبر”

إرسال تعليق