طرابلس اليوم

الأحد، 29 يناير 2017

العرادي وشريط (قناة) العاصمة

,

عبدالرزاق العرادي

عدت من أمريكا في سنة 1988م وقد تحصلت على شهادة البكالوريس من جامعة وسكانس – ماديسون والماجستير من جامعة بردجبورت بكناتيكت، وكلاهما في الهندسة الكهربائية. التحقت بمؤسسة الطاقة النووية كرئيس لقسم البحوث والدراسات. كنت أتطلع لكتابة البحوث والدراسات فإذا بأجواء العمل مسمومة بالنسبة لموظف أمضى في مدرسة الحرية عشر سنوات. يمكن أن يقول الإنسان في أمريكا ما يشاء، لكن هذه البلاد قلَّ أن عاش فيها أحد، ثم لم يتطلع للحرية ويحلم بالتخلص من القيود.

قررت أن أترك الوظيفة الحكومية على عزم بألا أعود، والالتحاق بالمجلس الوطني الانتقالي كان بالنسبة لي مرحلة من مراحل النضال، لم أتقاض عليه درهماً ولم أسافر على حسابه في أي مهمة خارج الوطن، بل كانت كلها داخل الوطن بالسيارات وداخل طائرات الشحن اليوشن.
بعد تجربة المجلس الوطني الانتقالي جددتُ العزم على ألا أعود لأي وظيفة عامة. قررت أن يكون سلاحي القلم أن أكتب ما أعتقد، وأن أخوض بالحرف معارك الحرية والبناء، وهذا ما كان.

لم يكن لي أي منصب حكومي، ولا توليت وظيفة إلا عملي الخاص. قرر إعلام الثورة المضادة أن يجعلني هدفاً لحربه، وأخذ يحرف الكلم عن مواضعه، وكانت أشرطة أخباره على الدوام عامرة بما كتبه العرادي على صفحته مع لوازم الفبركة والتَّقَوُّلِ؛ قال العرادي، كتب العرادي، ذكر العرادي.. وللإيغال في التقول لأجل الإثارة تداوم الأقلام على إضافة صفة؛ القيادي في الإخوان المسلمين.

بالرغم من أنني في ذلك الوقت كنت متفرغ بالكامل لخدمة بلدي وأهلي، من أجل الحرية ولها، ولم أتولَّ أي منصب قيادي بحركة الإخوان المسلمين، مع اعتزازي بالانتماء الفكري إلى مدرسة الوسطية التي تعتبر العنوان الأبرز للاعتدال في العصر الحالي، وتشرفي بمشاركة قيادات كثيرة منها نضالها من أجل التحرر، والنهوض.

قبيل انطلاق عملية فجر ليبيا انتشر في الشارع الليبي أخبار بأن عملية ستنطلق باسم قسورة، لم تكن سراً، بل شاعت وانتشرت. نشرتُ على صفحتي بالفيس بوك صورا لأسد هادئ في الغابة، ولاحقاً لآخر غاضب، ثم كانت الصورة الثالثة وهي لأسد يقفز في الهواء، مما جعل البعض يربط بيني وبينها، وهو ربط لا يقوم على أساس واقعي.

سقط الطاغية واستلم المجلس مهامه ثم سلم المجلس السلطة ورجعت إلى سابق عملي. ومن ذلك الحين كان سلاحي القلم واللسان، ولم يكن لي علاقة بالسنان والعمل العسكري؛ وإنما كنت واحدا من الليبيين الذين اقتنعوا حينها أن القوة الانقلابية التي تمثلها عملية الكرامة لن تكسرها إلا قوة مضادة تمتلك نفس الأدوات. كان موقفي مثل موقف ليبيين كثرا في ذلك الوقت، عبروا بالرمز والتصريح عن وقوفهم مع هذا المعسكر أو ذاك.

إن لم تكن وقفت هنا، فقد وقفت هناك، ولكن كل هذه المواقف استمرت على نفس المنوال. البداية أسقطت الاستبداد ولم تقم البديل وفي الثانية صدت – نسبياً الاستبداد- وفرخت مستبدين جددا.

ليس اعتذارا عن مواقف وقفتها رفقة آخرين أعتز بصدقهم ووطنيتهم فيما أحسب، وإنما هو وضع للأمور في نصابها. كنت ليبياً، أبني مواقفي على تقدير حجم المصلحة الوطنية، وما زال هذا دربي. لا أتوقع أن يطالبني أحد باتخاذ موقف بناء على ما يظهر له هو، ولن أصل إلى اليوم الذي أدعي فيه لمواقفي صوابا مطلقا، ويصعب علي قبول وصفها بالخطأ المطلق. ليس اعتدادا برأيٍ، أو عِزّةً بموقف، ولكن لمحاولتي بناء مواقفي على دراسة، واستشارة، تطمئن بعدها النفس إلى أن ما أقدم عليه، سيكون واحدا من الخيارات الأقرب إلى الصواب بحول الله، ولأنني أحاول جاهدا أن أبعد مصالحي الشخصية، عن مدار هذه المواقف والآراء.

ليس لي في كل هذه الأحداث، دور أكثر من دور مواطن ينظر إلى ما يدور في وطنه، ويتخذ مواقفه على ضوء ما يتمكن من معرفته من معطيات.

التدوينة العرادي وشريط (قناة) العاصمة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “العرادي وشريط (قناة) العاصمة”

إرسال تعليق