طرابلس اليوم

الأربعاء، 25 يناير 2017

أخريبيش

,

عبد المطلب الوحيشي

فأجلس على طرف من اليم …وأسأل ..سيلقي البحر جواباته إلى الساحل…واستمع حينما ينادي (الشابي) ويجيبك..
فخارطة الزمان لا يحدها تخوم.والمكان كانت فيه بداية الكلمة..
فهنا “برنيق” تُطل على هامات السحب…
من قبل الميلاد ..يتربع “الحي” على عرش الماء..وتمتزج ألوانه من الأغريق والرومان والبطالمة..وتتشكل أركانه من الليبو والأمازيغ والعرب..ولا ينفك الحي إلا أن يكون ”إسلامي” الهوى والعشق،

فإذا فُتحت لك نافذة …ستشاهد فسيفساء أكثر أحياء “بنغازي” ألفة وراحة للنفس..يضئ سناها “المنارة”..وأعلم أن من ترعرع في شوارعه العتيقة له حظوة وشأن لا يغيبان مطلقاً.

فولِي وجهك شطر الشوارع والأزقة..فالتراب والحصباء في شوارع الحي هي لك طهور..ولن يعييك المسير أبداً..فالحي تحفه بركة الصالحين والأولياء..فأبدأ الخطوات أنى شئت.. من :”كازيرما التوريللي”…من “مهلهل أو من”المدنية” من “بوحلفاية”، و” الذيب” ..أم من “بوخمسين” و”بن عمران” و”البعجة” و”الحداد” و…..فهنا مكث الدين والذكر، وهنا استوطن العلم والأدب، وهنا حل اللحن والنغم، وهنا المرؤوة والرجولة والأقدام، وهنا الحرائر الفاتنات..وهنا تتصفح بحق وجوه “عيال البلاد”..

وسترى رونق وجوه الحي البنغازية الأصيلة…وأطرق على أي باب.. فالبيت بيتك..من “الورفلي” إو “الشاعري”، من “إحويو”..أو”النخاط”..من “ بالة” أو “بن عمران” أم “الحداد”..من “بوذراع” أو “العنيزي”.. من “الدلال” آو “الهباب” أم “مهلهل”..من “افتيتة” أم “دلحين” ..من “بن غزي” و “كشلاف”..من “البكوش” أو “الربع”، أم “بوحلفاية”… من “البناني” “أو “شمبش”،..من “الصلابي” آو “الشابي”،.. من “بويصير” أو “جدولة” و”شامالي”..من “المغبوب” أو “النيهوم”، من “الكوافي”،أو “نجم” و”المغيربي”..من “زغبية” أو “طرينة”..من “الطواحني”،أم “الماقني” أم “قصيبات” ..من “بشون“ أم “ماعونة” و”بوراوي”،من “العدولي” أم “قرقوم” أم “شمسة”..من “المغربي” أو “الشريف”، من “نجم، أم من “كرداش”..من “السعداوي، أم “بوعشرين” أو السوادي” .. من “بريبش” أو“بوغرارة” أم “الفلاح”…(*)

سيقول لك “الشابي إن المريدين أتباع “الشيخ ظافر” قد حركوا الطار في زاوية “المدنية” ونقروا الوتر..وسيخبرك أن الموج كان يردد صدى “الشيخ مرسى” حين ينشد “ ياحمامة يابرية… ياخفيفة في الأطيار”..وأن صلوات “التراويح” في مساجد “بالة” و”الجهاني” و”النخلة” مازال مدادها قائم…فالدين لا يبرح مكانه في “أخريبيش” …والسجدات أزلية القدم…

في الحي، ..ستشاهد الأستاذ (محمد الخازمي )، أول محام في “برقة”.. وفي الحي أوقد “الحاج العالم أحويو “ ورفيقه “الحاج أمبارك الشريف” وأخيه “الحاج سعد”، فتيل مدرسة “العمال الليلية”..ومن هناك لم تخفت شعلة الحرف والدواة أبداً…ومن حينها تملك أبناء “بنغازي” القلم والقرطاس..

في ثنايا المكان . يلوح وجه الأديب أحمد العنيزي في (حديث المدينة)..ويسطر (رمضان بوخيط ) حكايات الماضي القريب..وهناك باح “الشعالية” بالسر في “نور عيون”.. وهناك كان سؤال (صدقي) في “طيرين في عش الوفا”، ..وبين الجوانب أنتشى المكان بصوت سي (رجب البكوش) ..وهناك يضع (سالم بشون) لحن ” نرفرف كأجنحة النسور…فوق الشوامخ والقصور”.. وفي جوانب الحي نظم (محمد مخلوف) عِقدَ الكلمات ، وأرسل (عمر المخزومي) أغنية (شقيت في غيابه) شجىً آسراً..لكن “أخريبيش” ..لا يمكن له أن (يواطي النظر) ..

وأسأل “المنقار”.وأمواجه وبحارته “ورياسه”… فستخبرك مياه “بير الكلبة والبياضة والراس والسوادة”..عن “السمينو” و”الباطاطيني”
وأنظر إلى صبية وبنات الحي وفوق رووسهم “طواجين الكعك” و”الخبزة” إلى كوشة الجهاني ، وقف أمام دكان “سي الكومسيار”..و”سي الهيلوبة”، “ودكان حركة”… واحتسى “السحلب عند “سي بركات”، ولا تنسى “الفول المدشش” من “اشتيوي”..

والآن … يطل ..”سي اخريبيش”…شاهداً ودليلاً …على كل أهات الزمان..
والأن يشكو “خريبيش” …فلم يعره أحدٌ منا عيناه, ولم تسعفه دموعه…ولم تشفع له العبرات .. فقد تناثر الدم في كل الأمكنة… وتخضبت الأروقة بالأسى. . وخفت نور “المنارة”. . وغلبت الغُصة على “الشابي” فنزلت الدموع أمواجاً مالحةً…واستقر الوجع وجار الألم . لمن سيشكو “اخريبيش”؟.وسيبكي من؟ وممن؟.

لكن …
سيكون “خريبيش” دائماً هناك..وستلحق لعنات المولى بالغزاة والغلاة والمارقين .. وستعلو قامة العز. وسيوغل “اخريبيش” في العناق محتضناً “أمُّه” بنغازي! ….وسيتغنى “عويلة اخريبيش” قائلين :

(**) سي اخريبيش وجيتك غاوي … قالوا لي م الهم اتـــداوي…. نا نطلق فاســـــــوخ وجاوي … كان قسم بوعين هميلــه
يا اخريبيش عليك عقيله.

يا اخريبيش وصيتك داوي … ونا لدايا مالقيت امــداوي… قتلني بخرزاته مو ماوي … بالك تلقالي شي حيلـه
يا اخريبيش عليك عقيله …

التدوينة أخريبيش ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “أخريبيش”

إرسال تعليق