طرابلس اليوم

الاثنين، 30 يناير 2017

أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية!

,

عبدالرزاق العرادي

محمد الفيتوري، والذي يصغرني بأربعة عقود، هو ضمن قائمة أصدقائي في صفحة التواصل الإجتماعي (فيس بوك)، كتب رواية جميلة عن حلمه الذي أصبح فيه رئيسا للجمهورية، ورغم أن النهاية كادت أن تكون مأساوية، حسب ما جاء فيها، إلا أن الدروس المستفادة منها عديدة، ولعل أهمها أن الطموحات والمخططات الذاتية للشخص والجماعات ليست عيباً في ذاتها مادامت مشروعة ووطنية.

في البداية رشح معالي الرئيس محمد أنور الفيتوري نفسه في انتخابات حرة ونزيهة وبإشراف قضائي محلي ووجود هيئة دولية مختصة أشرفت قبل ذلك على الاستفتاء على الدستور، هذا الدستور الذي رسم معالم الدولة المدنية الحديثة وعبر بصدق عن رغبة وتطلُعات الشعب الليبي، كُتب بسواعد وطنية تم اختيارهم من قِبل الشعب عبر المؤتمر الوطني العامK والذي يمثل أعضاؤه كامل التراب الليبي، فأصبح من الممكن لشخص مثل محمد أن يصبح رئيساً للجمهورية.

قدم معالي الرئيس أوراق اعتماد ترشحه لانتخابات الرئاسة حسبما يمليه عليه الدستور، وبعد موافقة لجنة الانتخابات، قدم محمد برنامجه الانتخابي وطاف بمدن وقرى ليبيا يعرض نفسه وبرنامجه على أفراد شعبه، ووعدهم بتقديم مصالح البلاد على المصالح الخاصة، كسب معالي الرئيس، بالاضافة لدعم وحب شعبه، معرفة لا يمكن اكتسابها خلف المكاتب الفاخرة ولا عبر قراءة عشرات الكتب، ولقد أعد برنامجه الانتخابي ليكون عقدا بينه وبين شعبه، وعلى أساسه سيتم انتخابه رئيساً للبلاد بواسطة ورقة يضعها الشعب في صناديق الإقتراع،تمنح الرئيس القوة اللازمة لتشكيل مستقبل البلاد.

وفي حالة عدم وفائه بالتزماته، كما ينص عليها برنامجه الإنتخابي، فإن الشعب سوف يستخدم نفس الورقة لإسقاطه، وفي هذه الحالة ليس من حق معالي الرئيس أن يستخدم الأربعة عشر ونصف ولا المائة وستة ولا صواريخ الجراد ضد شعبه، بل إن قوى الجيش والأمن لن تستجيب أوامره، لأنه فقد الشرعية المستمدة من الشعب، ولأن الجيش والأمن خدامٌ للشعب وليس لفخامته.

أكد المرشح للرئاسة محمد أنور أن برنامجه الانتخابي يضمن تحقيق النهضة لبلاده بالتركيز على ثلاثة محاور رئيسية ففي المحور السياسي، تعهد بأن تكون ليبيا فوق الجميع وسيسعى لتعميق حب الوطن في قلوب الليبيين وأن مصالح ليبيا مقدمة على مصلحة الفرد، وإن كان ذلك الفرد رئيس الجمهورية، وأكد التزامه بالدستور، وتوسيع صلاحية رئيس الوزراء، لممارسة دوره كمسؤول تنفيذي عن سياسات الحكومة، والمحافظة على الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتعهد بصون الحق الرقابي للبرلمان، وكذلك ضمان استقلالية القضاء.

وفي المحور الاقتصادي تعهد بأن يجعل ليبيا إحدى الدول القوية والمستقرة اقتصادياً، خلال السنوات الخمس القادمة، ووضعها في مصاف الدول المتقدمة عالمياً، خلال السنوات العشر القادمة، وتوفير فرص عمل للشباب، وإعانتهم على الزواج، وتوفير المسكن اللائق لهم، والاهتمام بجودة التعليم، والصحة للجميع، كما أكد على مركزية إعادة بناء المدن التي دمرتها آلة البغي والطغيان ووعد بإقامة البنية التحية التي أهْمِلت خلال العقود الماضية.

وفي المحور الاجتماعي تعهد بأن تكون المرأة شريكا حقيقياً للرجل في قيادة البلاد نحو التقدم والرقي، وأنه سيعوض الطفل ما حُرم منه الآباء إبان حكم الطاغية وأن الطفل سيولَّى اهتماما خاصاً خلال فترة حكمه، كما أنه وعد برعاية الأيتام والأرامل ومد يد العون لكل المتضررين من حرب الطاغية على شعبه، هكذا كان البرنامج المفترض لمرشح الرئاسة محمد أنور الفيتوري وإليكم القصة بتصرف.

البداية كانت الرغبة في حياة الترف والرفاهية المتمثلة في حياة القصور والطائرات الخاصة والحرس الشخصي وعشرات الخدم والحشم، فكيف يتحقق لي ذلك؟ أفضل طريقة هي أن أكون رئيسا للجمهورية، سئمت حياة الأوامر الصادرة من السيدة الوالدة، فهي تصدر لي جداول لمواعيد النوم وأخرى للأكل وتحدد نوع ولون الملابس التي أرتديها وساعة الاستيقاظ، وما أدراك ما ساعة الاستيقاظ، نمت تلك الليلة وقد عقدت العزم على أن أكون رئيساً للجمهورية بالبرنامج الإنتخابي الذي ذُكر سلفاً، ورأيت أنني فزت بالانتخابات بنسبة 55%.

وفي أول أيامي كرئيس للجمهورية اجتمعت مع الوزراء وقلت لهم أتذكرون وعودي الانتخابية؟ قالوا نعم، قلت لهم لنبدأ في إنجاز ما وعدنا به ولنبدأ بالتعليم والنظام الصحي.

عندما عدت إلى البيت، قلت في نفسي لو أنني صرفت هذه الأموال على شعبي فلن يبقى لي شيئ، ولو لم أصرف هذه الأموال فسوف يثور الشعب علي، لكنني قلت أيضاً في نفسي إن شعبي يحبني ويخافني ولن يحرك ساكناً، عقود من الفساد والظلم والطغيان قرر بعدها الشعب في 17 فبراير الثورة ضدي. وبالفعل بدأت أشعر بما ارتكبته يداي، وأنا جالس في قصري في باريس، أقول في نفسي لقد تحكم الشيطان في عقلي وفي أفعالي وقادني إلى هذا المصير. رجعت من باريس وكلي أمل أن شعبي يحبني وسيخافني ويعدل عن تنحيتي، فأنا المجد والمجد أنا، ولكنه كانت المفاجأة، أنهم ألقوا القبض علي، وأودعوني في غياهب السجون، وحققوا معي، وحمكوا علي بالإعدام رمياً بالرصاص.

حُدد يوم 17 يونيو موعدا لتنفيذ حكم الإعدام في ميدان الشهداء بمدينة طرابلس، والتي غصت بالجماهير، لتحضر يومها الذي طالما انتظرته، لتتخلص فيه من الطاغية الذي سرق أموالها، وقتل أبناءها، وسجن علماءها، وأفسد مقدرات بلادها.

قرأ القاضي منطوق الحكم وطلب الشيخ مني نطق الشهادتين، وأنا أرى شعبي أمامي لعله يعطف علي ويصيح مرة أخرى، عاش الرئيس، لكنه لم يفعل. وقف فريق الإعدام المتكون من ثلاثة جنود وصوبوا بنادقهم نحوي وأطلقوا رصاصة الموت.

قم من سباتك يامحمد فموعد المدرسة قد حان! لقد كان صوت أمي هذه المرة، كأنه صوت موسيقي عذب. صحت بأعلى صوتي : صباح الخير مدرستي، صباح الخير والنور، إليك اشتقت بالأمس، فزاد اليوم تبكيري.

الحمد لله أنني لم أكن رئيساً ولم أقتل أبناء شعبي ولم أسرق أموالهم وبالتالي لا أستحق الموت. لعلي فعلاً أرشح نفسي يوما ما لرئاسة الجمهورية، ولكن خدمة للشعب وليس سلب لمقدراته وقتل أبنائه”.

 

التدوينة أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية!”

إرسال تعليق