طرابلس اليوم

الاثنين، 26 نوفمبر 2018

نظرة على الدور السعودي في العالمين العربي والإسلامي

,

أحمد يونس/ أكاديمي ليبي

 

كثيراً ما تردّد على مسامعنا عبارة “المملكة العربية السعودية ذات ثقل عربي وإسلامي ” من ضيوف خرجوا على مختلف الفضائيات أثناء تغطية جريمة أو بالأحرى فضيحة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي وتقطيعه بالمنشار، ثم إذابة الجثة في حمض الأسيد داخل قنصلية المملكة بإسطنبول .

 

اللافت أن هذه العبارة جاءت على لسان أصدقاء وخصوم المملكة على حد سواء ولعل النوع الثاني يريد رفع الحرج عن نفسه قبل توجيه انتقاده للمملكة نظراً لوضعها الخاص بالنسبة للعالم الإسلامي .

 

فهل حقاً المملكة السعودية بهذا الوزن على الصعيدين العربي والإسلامي؟

 

قبل الإجابة وجب التنويه أن السؤال هنا معنيٌّ به المملكة كنظام شمولي وأسرة ذات حُكم مطلق لا المملكة كأرض تحوي أقدس مقدسات المسلمين (الحرمين الشريفين) فهذه من المُسلّمات التي لا يختلف عليها اثنان من أهل التوحيد.

 

من ناحيتي و بما أني لست محايداً في مثل هذا النوع من القضايا لأن الحياد هنا يخالف الفطرة البشرية ويناقض المبادئ الإنسانية فقد ارتأيْتُ أن آخذ هذه العبارة لأفحصها تحت المجهر و هذا ما فعلت و وجدت الآتي :

 

أولاً :

 

النظام السعودي بإقامته تحالف استراتيجي متين مع الحركة الوهّابية أنتج لنا في ثمانينيات القرن الماضي بالتزاوج غير الشرعي مع المخابرات الامريكية والباكستانية مُنتج إسلاموي مُشوه تمثل في ( تنظيم القاعدة ) بأفغانستان إبّان الغزو السوفييتي ومنه تفرّع (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ) بالعراق إبّان الغزو الأمريكي الذي نشأ هو الآخربعلاقة غير متجانسة ولا متماثلة تمت بين ” إسلاميُّو تنظيم القاعدة ” مع “يساريُّو حزب البعث ” فخرج علينا هذا المنتج الغريب الذي شوّه صورة الإسلام (و إن كان قد أبلى بلاءً حسناً في صدّه للغزاة ) و كان من الطبيعي أن يُولد منه أعنف و أشرس و أبشع تنظيم ألا وهو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وما أدراك ما داعش أحد أكبر معاول هدم أحلام وطموحات شعوب الربيع العربي التي دفعت ثمناً باهظاً لإسقاط الأنظمة الحاكمة التي جثمت على صدورها عقود طويلة.

 

ثانيـاً :

 

خلافاً لداعش النبتة الوهابية الأصل، السعودية المنشأ، الأمريكية الصنع والتجميع ،فإن موقف النظام السعودي من ثورات الربيع العربي اتسم بالعدوانية والإزدواجية في آنٍ واحد ومن البداية، فهو من قمع ثورة البحرين ودعم الثورة في سوريا وقام بتدمير اليمن.

 

لم يأوي النظام السعودي لاجئاً سورياً واحداً في الوقت الذي استقبلتهم تركيا وبعض الدول “الكافرة” كألمانيا وكندا ووفرت لهم سبل العيش الكريم مع أن إغاثة الملهوف من شيم العرب قبل أن تكون من الحقوق الواجبة على المسلم.

 

ثالثـاً :

 

” خادم الحرمين الشريفين ” كما يُلقب عطّل أكبر وأهم مورد من موارد الزكاة في عصرنا الحالي المتمثل في زكاة الركاز التي تشتمل على كل ما هو مدفون في باطن الارض من المعادن ومنها النفط والغاز ، وبحسب ما تشير الدراسات العلمية لاقتصاديات الزكاة فإن نسبة زكاة الركاز المفروضة على دولة غير نفطية تعادل 7% من ناتجها المحلي الإجمالي و14 % للدولة النفطية، وإذا رجعنا إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول السعودية للعام 2016 و2017 على سبيل المثال سنجد أنه بلغ 645 و 648 مليار دولار على التوالي، وبالتالي تكون قيمة الزكاة المستحقة على الدولة السعودية في هذين العامين حوالى 170 مليار دولار.

 

وتقديراً يكون إجمالي مبلغ الزكاة المستحقة على الدولة السعودية للسنوات الأربع الماضية حوالى 400 مليار دولار . بدلاً من أن توزع على فقراء المسلمين ذهبت للأسف إلى شركات الأسلحة الأمريكية التي يهيمن عليها اللوبي الصهيوني.

 

ومن هنا نعرف أن المملكة السعودية ذات ثقل فعلا و لكن ليس للعرب والمسلمين بل لأمريكا وإسرائيل.

 

رابعـاً :

 

فشل النظام السعودي في إدارة الحج والعمرة بالنظر إلى تكرار حوادث تدافع الحجيج بالحرم المكي، وعدد من قضوا من ضيوف الرحمن في مواسم الحج، بالإضافة إلى تسييس الحج واحتكاره من قبل أسرة آل سعود و اعتباره (غلّة سياحية ) تدرُّ عليهم مليارات الدولارات سنوياً خلافاً لتحويله في الآونة الأخيرة لمصيدة تصطاد معارضي الرأي و كل من وُضع بالقائمة السوداء لدى المخابرات السعودية.

 

خامسـاً

 

في الوقت الذي تظهر فيه المملكة السعودية بأنها خصم إيران اللدود لم تطلق رصاصة واحدة من ترسانتها العسكرية الضخمة تجاه طهران بل وجهت مدافعها وطائراتها صوب الشعب اليمني وارتكبت بحقه مجازر وجرائم يندى لها جبين الإنسانية، كما قامت بدعم الانقلاب العسكري الدموي لعبدالفتاح السيسي و أغدقت عليه المال.

 

سادســاً :

 

سَـعْـوَدَةُ الإسلام -إن جاز لنا التعبير – وتكييف الدين بما يتوافق والمواصفات القياسية السعودية، فالنظام السعودي منع على المرأة السعودية قيادة السيارة و فرض عليها البرقع تحت عنوان (الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ) ثم انقلب فجأة و دار بمائة وثمانين درجة ليجيز للمرأة قيادة السيارة و يسمح لها بحضور حفلات الغناء والرقص والمياعة تحت عنوان (الإصلاح و الانفتاح )!

 

تارة هذا النظام يدعو للجهاد في أفغانستان و يجمع له التبرعات و تارة أخرى يلاحق من (هاجر) إلى أفغانستان و يتهمهم بالإرهاب ويودعهم السجن ! وفي جميع الحالات تجد الفتاوي الجاهزة والسريعة من قبل شيوخ السلطان بتحوير النصوص القرآنية وليّ الأحاديث النبوية وجلب الغريب و الشاذ من الأثر .

 

الغريب في الأمر أن النظام السعودي بعد ثلاثين سنة من الوهابية والسلفنة للمجتمع السعودي يجري الآن على قدم وساق “لبرلة ” المجتمع تحت داعي الإصلاح و الانفتاح وسط مباركة من شيوخ البلاط الملكي و السجّاد الأحمر.

 

سابعــاً :

 

المملكة السعودية التي تدعي بأنها معقل أهل السُّنِّة والجماعة وأنها الدولة الأقرب في تطبيق شريعة الرحمن تمتلك جيش جرار من المحطات الفضائية التي تنشر فكر التغريب و العلمنة والفسق والمجون في تناقض واضح لسياسات المملكة تجاه الدعوة الإسلامية التي تتبناها و صمت فاضح من قبل شيوخ السلطان.

 

ثامنــاً:

 

النظام السعودي يحذو حذو إيران في زرع ودعم التنظيمات الإيديولوحية المسلحة في خصر الدول الرخوة فعلى غرار إيران التي دعمت “حزب الله” في جنوب لبنان و”الحوثيين ” في شمال اليمن نجد النظام السعودي قد زرع ودعم على سبيل المثال لا الحصر تنظيم المداخلة في ليبيا وهو اكبر تنظيم مسلح موجود حالياً على الساحة الليبية يمتلك شبكة إعلامية واسعة خاصة الإذاعات المسموعة ويهيمن على الأوقاف ودار الإفتاء وشؤون الزكاة بالمنطقة الشرقية وإن كان البعض يظن أن ولاء التنظيم بفرعه الشرقي لقيادة الرجمة وبفرعه الغربي لأبو ستة فهو واهم فالولاء المطلق للمرشد الأعلى للتنظيم الشيخ ربيع المدخلي التابع للنظام السعودي، كما أن هذا التنظيم و إن يبدو مهادناً للسلطة انطلاقاً من مبدأ عدم الخروج على وليّ الأمر ومسالماً مع المجتمع لا يبغي الفتنة إلا أن حقيقة الأمر أنه مراوغ وهذا ما يتبين من أفعاله وأقواله من خلال هدمه لبعض منابر المساجد وتفسيقه وتبديعه للإباضية في ليبيا ونعته للصوفيّة بالقبوريين وتكفيره كل من يحتفل بيوم المولد النبوي الشريف وهذه أمور خطيرة لا تختلف عن أقوال و أفعال تنظيم الدولة، كما أن التجربة التاريخية الحديثة تثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الود لن يدوم بين الإسلاميين والعسكر، وإن كان هناك تحالف بين المداخلة ومليشيات حفتر فالمواجهة بينهما قادمة لا محالة خاصة إذا انتهت صلاحية المرشد العام للتنظيم ربيع المدخلي عند خكّام الرياض.

 

تاسعـاً:

 

سلاح النفط وهو سلاح ذو مفعول قوي سياسياً واقتصادياً لم تستخدمه المملكة في مناصرة قضايا الأمة العربية والإسلامية باستثناء حرب أكتوبر 1973، ولو بشكل رمزي.

 

أما غير هذه المناسبة فقد كان النفط دوماً سلاحاً بيد الولايات المتحدة الامريكية استخدمته عن طريق المملكة في ثمانينيات القرن الماضي لإضعاف و إنهاك الاقتصاد السوفيتي ابّان الحرب الباردة، وها هي اليوم تستخدمه بما يتماشى مع المصالح الأمريكية العليا ولتذهب الدول العربية المصدّرة للنفط كالجزائر و ليبيا و العراق إلى الجحيم .

 

و أخيراً و ليس آخراَ، يعتقد النظام السعودي أن الغطاء الأمريكي سيحميه من جرائمه التي ارتكبها بحق مواطنيه و مواطني الشعوب العربية والإسلامية، ونسي أن المتغطي بأمريكا عريان، والشعب السعودي الحر لابد وأن يقول كلمته فهذا الصمت الرهيب من هذا الشعب الكريم يخفي في أعماقه كتمان عظيم سينفجر يوماً ما.

التدوينة نظرة على الدور السعودي في العالمين العربي والإسلامي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “نظرة على الدور السعودي في العالمين العربي والإسلامي”

إرسال تعليق