طرابلس اليوم

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2018

دعهم “يتهرسوا” … أو كما قال

,

المبروك الهريش/ كاتب ليبي

 

قال هذه العبارة صحفي تونسي حاضر لمؤتمر باليرمو بعد ما أمطر المسؤولين الليبيين الحاضرين للمؤتمر بوابل من التهكم والاستهزاء، ثم شمل الليبيين جميعا ليقول: “يلزم يتهرسوا”، يقصد: “يحتاج الليبيون لمزيد من الاحتراب إلى درجة الإنهاك كي يقتنعوا بضرورة الحوار والطرق السلمية للوصول بحل ينهي أزمتهم”.

 

لن أتحدث عن المهنية في حديث الصحفي التي تلزمه بانتقاء مصطلحات لائقة في حديثه عن أي قضية أو موقف، ولا الجانب الأخلاقي كون الصحفي يتحدث عن شعب تجمعه به قواسم العروبة والدين، والتاريخ والجغرافيا.

 

أيضا لست بصدد استجلاب شماعة “السيادة الوطنية” واستعمالها في الرد على كلام الصحفي؛ لأن السيادة في ليبيا قد تجاوزت مرحلة الانتهاك، وأكثر المتبجحين بها هم في الحقيقة أكثر الممهّدين لاستباحتها، فضلا عن أن مفهوم السيادة في هذا الوقت قد تغير بعد الثورة الكبيرة على صعيد تكنولوجيا المعلومات.

 

لكننا نحن الليبيين في أمسّ الحاجة إلى أخذ ما تحدث به الصحفي التونسي على محمل الجد، وإلى التجرد في تقييم ما قال، بعيدا عن الأهواء الشخصية والانتماءات الأيديولوجية والسياسية، ربما نصل بعدها إلى درجة من الوعي تسهم في تجنب مزيد من الاحتراب والاقتتال.

 

هل نحن في ليبيا نحتاج إلى أن ننهك أنفسنا في القتال لنصل إلى حد لازم من الوعي لتجنب هذا القتال؟

 

الإجابة للأسف، نعم، والدلائل والوقائع كثيرة، وأحداث السنين السبع بعد ثورة فبراير تثبتها.

 

على الجانب الاجتماعي، لم يدخر مشائخ القبائل جهدا في إذكاء النعرات الجهوية والقبلية، وتغذية الصراع بين الليبيين، وفي أحسن الأحوال يتم استخدامهم من أصحاب المصالح ومسعّري الحروب في التحشيد والتعبئة، شعروا بذلك أم لم يشعروا.

 

أما المؤسسات الدينية، فلا غرو إن قلنا إنها أسهمت في كثير من الاشتباكات، واشتركت مع الخطاب القبلي في استدامة الفوضى، والتحريض على العنف، ونادرا ما نسمع دعوتها للصلح، وإن حدث، فهي لأجل محدود، ولمصلحة ضيقة.

 

يُفترض أن تقف السياسة موقف الندّ أمام العنف، لكن في ليبيا، يقف عدد كبير من الساسة أمام أي حلول سياسية تطفئ نار الحرب، والمصيبة أن معظم السياسيين المناهضين للحل السياسي كبديل عن الحلول العسكرية، يصرّون على هذا المسلك، وهم إما على ضفاف النيل أو على هضبة الأناضول، أو ربما في ردهات فنادق سويسرا أو في عاصمة الضباب.

 

هذه الدلائل لا يمكن تعميمها على كافة شيوخ القبائل أو مشايخ الدين أو كل السياسيين، لكن الصوت الأعلى هو صوت هؤلاء، والتأثير الكبير هم أصحابه، والقوة الضاربة هم من يملكها.

 

مجازر كثيرة حدثت في ليبيا بعد الثورة، وكل حادثة يفترض أن تؤدي بالعقل الجمعي في ليبيا إلى مناهضة كل ما من شانه الانحدار إلى منزلق العنف، لكن العكس دائما هو ما يحدث، فأحداث القتال في ليبيا غالبا ما تكون مقدمة لأحداث أعنف وأشد وطأة.

 

هل ننتظر أن نصل في ليبيا إلى 800 ألف قتيل كما حدث في رواندا؟ أو نكمل 15 سنة كما في الحرب الأهلية اللبنانية؟ أو ربما أعجبنا الوضع في اليمن؛ فنعيش مجاعة مثلما يعيش أهلها؟ فرج الله كربهم.

 

لا شك أن أول خطوة في اتجاه بناء الدولة الليبية هي قناعة الليبيين بكافة أطيافهم أن هناك طرقا أخرى كثيرة لحل مشاكلهم غير اللجوء إلى العنف واستخدام القوة، وأن استخدام السلاح له قوانين وأعراف تلجأ إليها الدول عند انعدام نجاعة السبل الأخرى، بعدها ستكون العراقيل الأخرى التي تقف أمام قيام الدولة هشة سرعان ما تنحطم على صخرة إرادة الليبيين الساعين لبناء دولتهم.

 

 

التدوينة دعهم “يتهرسوا” … أو كما قال ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “دعهم “يتهرسوا” … أو كما قال”

إرسال تعليق