طرابلس اليوم

الأربعاء، 28 نوفمبر 2018

إخوان الأمس واليوم

,

أبوبكر بلال/ كاتب ليبي

 

وقع الشيخ علي السباعي في خطأين كبيريْن في مقالتِه الأخيرةِ حولَ الإخوان المسلمين التي أراد من خلالها أن يصل إلى نتيجة مفادها أن إخوان اليوم ليسو كإخوان الأمس؛ فقد انحرفوا عن المسار الذي رسمه لهم حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول.

 

استدل الكاتب ـ ليؤكد على هذه النتيجة ـ بمفتي مصر السابق ” علي جمعة ” فذكر أن الأصول التي يؤمن بها هذا المفتي لا تختلف عن الأصول التي يؤمن بها عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس، ففي خطبه وفتاويه لا يخرج عن القرآن والسنة وأقوال الصحابة، ولم يسمعه أحد يستدل مرة بنصوص من التوراة والزبور والإنجيل، ثم ذكر أن الإخوان المسلمين اليوم لا يختلفون عن حسن البنا وإخوان الأمس في إيمانهم بالأصول العشرين التي جاء بها؛ هذا إذا لم يكن في الأصول العشرين مأخذ أو اعتراض من قبله.

 

وقبل أن أتطرق إلى الخطأين المنهجيين التي وقع فيهما الكاتب فإنني أقول بأن كلامه قد يكون فيه شيء من الصحة والصواب من كون جماعة الإخوان اليوم ليست كالجماعة أمس، فالجماعات على اختلاف مشاربها تتطور مع الزمن خاصة في ممارساتها السياسية، فيتوهم المراقب لحركتها بأنها قد زاغت عما كانت عليه وقد يتسلل إليها شيء من الزيغ والانحراف، وقد يكتب الله لها سنة الاستبدال فتمرض وتموت؛ كل ذلك يمس الجماعات والأحزاب والتجمعات البشرية التي يربطها رابط عقدي أو غيره.

 

أما الخطأ الأول الذي وقع فيه كاتب المقال فهو يكمن في مقارنة غير عادلة، فقد قارن السباعي بين مفتي مصر وهو فرد، وبين الإخوان وهم مجموعة تتألف من عدد كبير من الناس، فجعل ما يطرأ على الشخص من اعتقاد أو سلوك ونحوه على المجموعة الكبيرة من الناس، فهو يريد أن يقول إنه كما انحرف شخص ” علي جمعة ” وهو القائل بأصول الإسلام المؤمن بها، فإن الإخوان كلهم المتكونين من كل هذا العدد الذين يضمون جماعات مختلفة في أقطار عربية وإسلامية يختلف بعضها عن بعض في سلوكها السياسي قد أصابهم الانحراف ذاته الذي أصاب علي جمعة.

 

هذه المقارنة قد تكون منطقية وعادلة إذا كانت بين علي جمعة وبين شخص من الإخوان، وليكن على سبيل المثال ” طارق الهاشمي ” رئيس الحزب الإسلامي العراقي الذي زج الكاتب باسم الحزب في شرحه لمقارنته بين علي جمعة والإخوان.

 

ثم كان الخطأ الثاني وهو خطأ التعميم الذي انتهجه الكاتب في مقالته، إذ لا يعقل بأي حال من الأحوال أن يتناول الناقد مجموعة من الناس وإن قلّ عددهم ثم ينزل عليهم الحكم نفسه، لا يصح هذا إلا إذا تناول شخصية من شخصيات هذه المجموعة مفصولة عما سواها من باقي شخصيات المجموعة، ثم ينزل عليها الحكم مقرونا بالأدلة والبراهين، ومن المؤكد أن السباعي لو نظر قليلا في إخوان اليوم لوجد من بينهم من هو مؤمن بالأصول العشرين قولا وعملا كما ساق في ذلك أمثلة لشخصيات من إخوان الأمس كالشهيد عبد الله عزام وعبد القادر عودة وأحمد ياسين.

 

ولو نظر الكاتب قليلا فيما سوى الأصول العشرين من رسائل البنا لوجد أن البنا نفسه من صاغ الأصول ووضعها قد عرج إلى ذكر الأصناف الأربعة المكونة لجماعة الإخوان أو المراقبة لها، وذكر من بينهم المؤمن بالفكرة والمتردد والنفعي والمتحامل، فو إقرار من البنَّا نفسه ومنذ فترة التأسيس إلى أن جماعته جماعة بشرية قد يتسلل إلى صفوفها من يتخذها مطية لغايات مصلحية نفعية، وهو ما يسري على إخوان اليوم ويشملهم.

 

خطأ التعميم قاد الكاتب إلى أن يمثل للنتيجة التي أرادها ببعض الأقطار التي يرى أنها قد انحرفت عن المسار الإخواني الأصيل، وسكت عن أقطار أخرى أظن أن الكاتب يقر في مكنون نفسه بأنها على النهج الإخواني الأول حسب رؤيته وتقديره، فسكت عن الإخوان في فلسطين وفي الأردن وعن الجماعة الأم في مصر، وهو ما يجعل نتيجته التي توصل إليها عرضة للرد والإعراض كونها لم تشمل كل أقطار الإخوان المسلمين.

التدوينة إخوان الأمس واليوم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “إخوان الأمس واليوم”

إرسال تعليق