طرابلس اليوم

الجمعة، 30 نوفمبر 2018

غسان سلامة: “لا يمكننا إجراء انتخابات تحت وقع تصعيد القتال”

,

مجلة جون أفريك الفرنسية

الكاتب: جهاد جيلون

 

في أعقاب مؤتمر باليرمو، فسر مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، المهمة التي كُلف بها. وبين التقدم في المجال الأمني والغموض الذي يكتنف التنظيم المؤسساتي، لا زال غسان سلامة متفائلا بشأن إحراز تقدم حقيقي.

جون أفريك: أنت مكلف من قبل الأمم المتحدة بالملف الليبي منذ سنة، ما هو تقييمك الحالي للوضع؟

 

غسان سلامة: تمثلت أول خطوة نحو التقدم في إعادة بعثة الأمم المتحدة من جديد إلى طرابلس، وآمل أن نفتح قريبا فرعا في بنغازي. أنت لا تتخيل الصعوبات التي تسبب فيها ذلك، ولكن كان من المهم اتخاذ هذه الخطوة أولا، فدون بعثة تمثلنا في ليبيا، سيكون تأثيرنا محدودا على أرض الواقع. بعد ذلك، انتقلنا إلى تنفيذ خطة العمل التي وافق عليها مجلس الأمن الدولي في خريف 2017. بدأ تنفيذ كل عنصر من هذه الخطة على أرض الواقع؛ ولكن بدرجات متفاوتة إذ أن بعضها لم تتجاوز نسبة تنفيذه 20 بالمائة في حين أن البعض الآخر بلغ 40 بالمائة.

مثلا، الجانب الأمني؟

 

شهد الوضع في طرابلس مؤخرا تطورات إيجابية، إذ لم ننجح فقط في إنجاح عملية التفاوض على وقف إطلاق النار، بل تمكنا أيضًا من إقناع السلطات بوضع خطة أمنية حقيقية، صُممت لأول مرة من قبل ضباط شرطة محترفين. كما ساهمنا أيضا في إنشاء مركز عمليات لمراقبة مدى الالتزام بوقف إطلاق النار.

وأخيراً، تعهد وزير الداخلية الجديد، فتحي باشاغا، [الذي حل مكان عبد السلام عاشور]، بتطبيق الخطة الأمنية في طرابلس الكبرى. ونحاول إنهاء هذه المرحلة رغم اختراق الجماعات المسلحة للهدنات بشكل مستمر. وانتقلنا الآن لفرض منطق الدولة. ولكن هل سنحقق نتائج خلال يومين؟ بالتأكيد لا. لكننا حريصون على متابعة المسار الجديد بشكل جيد.

هل يمكن لهذا الحل الذي تم التوصل إليه في العاصمة أن يمتد إلى باقي مناطق البلاد؟

 

لا يمكننا تأخير عودة العمل بمنطق الدولة إلى أجل غير مسمى. كما أن نجاحنا في إعادة الهدوء إلى طرابلس يشكل نقطة إيجابية، ليس فقط لأن العاصمة تضم أكثر من 30 بالمائة من سكان البلاد ومعظم المؤسسات والوزارات السيادية، وإنما لأننا سنعمل على نقل هذا النموذج إلى مدينة أخرى. وللقيام بذلك، يجب علينا تعزيز هذه الخطة في طرابلس التي لم تنل بعد رضا البعض.

وإذا كان النظام السابق قد استمر لمدة سبع سنوات، فذلك لأنه خدم مصلحة البعض الذين سيعملون على تخريب النظام الجديد القائم على فكرة الدولة، التي نعمل من جهتنا على الوفاء بها، وآمل أن تكون الحكومة كذلك. ويجب أن نلغي فكرة تركيز الأمن عبر الحوار الفوضوي الذي يُنظم بين الجماعات المسلحة، والعمل على تحقيق نظام عام تؤمنه قوة نظامية. وتتلخص الفكرة بشأن هذه النقطة في أن مجهودنا في إقامة حزام الحماية لمواجهة الهجمات الخارجية، يساهم في دفع المؤسسات الرسمية إلى التحرر من المخاوف التي تفرضها الميليشيات.

ما هي الصعوبات التي تعرقل دمج الميليشيات ضمن القوات الأمنية النظامية؟  

 

للأسف، لقد تم دمجهم ولكن بطريقة سيئة. تتلقى معظم الجماعات المسلحة أجورها إما من قبل وزارة الداخلية أو الدفاع أو العدالة. وينتشر الآن في ليبيا ما يقرب من 200 ألف من الثوار الذين يحصلون على أجورهم من ميزانية الدولة، ولكنهم مع ذلك يستمرون في تلقي الأوامر من زعيمهم وليس من وزيرهم.

وينتظرنا الكثير من العمل في هذا الملف، الذي كان من الضروري بداية العمل عليه منذ سنة 2012. أولا، يجب معرفة هؤلاء الأفراد البالغ عددهم 200 ألف شخص، وتحديد ما يقومون به، وتقييم مدى فعالية تدريبهم قبل الانضمام إلى الجيش أو الشرطة، ومن ثم تصنيف كل واحد منهم على حدة حسب وضعه الخاص. نحن نعمل مع وزارة الداخلية على هذا الملف على الأقل من أجل ضمان عمل 110 آلاف عنصر تحت أوامرها. وعلى الرغم من صعوبة هذه المهمة، إلا أنه تم الشروع في تنفيذها.

ما هي الرهانات الأساسية على المستوى الاقتصادي؟

 

عندما وصلت إلى ليبيا في الرابع من آب/ أغسطس من سنة 2017، كان سعر الصرف 10.5 دينار ليبي للدولار الواحد. ويسعدني أن قيمة الدولار قد انخفضت إلى النصف الآن، لكن ذلك غير كافي. يجب أن نذهب إلى أبعد من ذلك، لا سيما فيما يتعلق بدعم أسعار الوقود، التي تساهم في تعزيز ثروات الجماعات المسلحة. ومن غير الطبيعي أن بلدا غنيا بالنفط مثل ليبيا يفتقر فيه نحو 260 معهد إلى التجهيزات، ومستشفيات من دون معدات طبية.

في المقابل، حققت ليبيا أرباحًا بقيمة 13 مليار دولار (أي ما يعادل 11.2 مليار يورو) في الأشهر الستة الأولى من هذه السنة. ولكن أين ذهبت هذه الأموال؟ نريد أن يتم استثمارها لتمويل عمليات إعادة إحياء الخدمات الصحية والتعليمية، فضلاً عن تكوين قوات شرطة نظامية. كما أن فكرة وجود مليونير جديد كل يوم في ليبيا أمر لم يعد محتملا في الوقت الذي تغرق فيه الطبقة الوسطى في المعاناة.

كيف تقيم النتائج التي تم التوصل إليها في مؤتمر باليرمو؟

 

ليس هناك ما يشد الانتباه سوى أننا نجحنا في حشد عدد هام من المشاركين. مع ذلك، هذا المؤتمر كان عنصرا إيجابيا، أولا، لأنه عُقد بعد أربع أيام من توجيه دعوتِي لدعم خطة العمل التي تم تعديلها بعد الأحداث التي جدت في فصل الصيف، مع العلم أن الشركاء في العالم لم يتفقوا بالإجماع على هذا الدعم. وتم التعهد بتمويل عدة عمليات، بما في ذلك إنشاء قوة شرطة جديدة وتدريبها.

من جهة أخرى، وعندما ألاحظ هؤلاء الليبيين يجتمعون معاً، فإن ذلك يؤكد لي بأنه كان هناك تعاطف على مدى 15 شهراً الماضية. كما نشهد تفاعلات إيجابية أكثر فأكثر، على غرار التفاعل بين أطراف ليبيا في شرقها وغربها. وقد لوحظ ذلك في باليرمو، حيث جلست على طاولة واحدة مع عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي في طبرق، وخالد المشري، رئيس مجلس الدولة في طرابلس، بالإضافة إلى فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني، ولكن خليفة حفتر لم يصل بعد. لقد كان الجو يبعث على البهجة.

هذا الجو هو ضمن أحد أهم أهدافي، حيث يعود الليبيون لاكتشاف متعة الحياة المشتركة فيما بينهم. ولا أبحث فقط عن تشجيعهم على “التعايش السلمي”، بل أقول لهم: “التعايش السلمي هو مصطلح يستخدم بين الأعداء على غرار الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة أثناء الحرب الباردة”! لقد كنت شاهدا خلال مؤتمر باليرمو على أن هذه الحياة المشتركة بين أطراف النزاع كانت طبيعية. وكل هذا يعزز إيماني بعقد مؤتمر وطني خلال شهر كانون الثاني/ يناير القادم.

على الرغم من أنه شارك في اجتماع مغلق جمعه بفايز السراج، رفض المشير خليفة حفتر التقاط “الصورة الجماعية” التقليدية التي تختم المؤتمر

                       

سيتم عقد مؤتمرات دولية أخرى عبر تشريك تنسيقيات مختلفة. في باريس، تم أيضا عقد اجتماع بعيدا عن عدسات الكاميرا قبيل عقد الاجتماع الرسمي. فهل جميع المسؤولين الليبيين مستعدون الآن للجلوس على نفس الطاولة؟ ولمصافحة بعضهم البعض؟ وهل كلهم مستعدون لالتقاط صورة جماعية؟ هذا أمر غير وارد. لكن، هل يريد الكثير منهم القيام بذلك اليوم أكثر من السنة الماضية؟ نعم. إن المؤتمر الوطني الذي آمل أن يُعقد في غضون أسابيع قليلة يمكن أن يساعد على حل آخر الخلافات. وإلى حد الآن، لا توجد علاقة ودية بين جميع أطراف الصراع الليبي، ولا حتى بين الدول المتداخلة. لكن على الرغم من ذلك، يبقى هذا التوجه إيجابيا إلى حد ما.

 

ما الذي لم ينجح بالضبط في الخطة الفرنسية، التي ارتكزت على عقد انتخابات قبل سنة 2019؟

 

لم يساعد الوضع في طرابلس على عقد انتخابات، حيث كانت المفوضية العليا للانتخابات هدفاً لهجوم إرهابي عنيف أسفر عن سقوط عدة قتلى. بعد ذلك، كان من المنتظر أن يتم انتداب أعضاء جدد للإشراف على الانتخابات واستبدال معظم المعدات التي تعرضت للإتلاف. ثم دخلنا في سلسلة من الأزمات التي هزت البلاد، على غرار معركة درنة، ومعركة الهلال النفطي، والمعارك التي جدت في طرابلس. وكل ذلك بدّد فكرة الخوض في أي عملية سياسية، بما في ذلك الانتخابات. ولا يجب أن ننسى أن طرابلس مرت بليالي صعبة للغاية.

لكن اليوم، يمكننا الحديث مرة أخرى عن الانتخابات، حيث تبدو الظروف بالنسبة لي ملائمة أكثر. ومن الأفضل أن نأخذ الوقت الكافي للوفاء بالشروط اللازمة لإجراء انتخابات ذات مصداقية بدلاً من الاندفاع في عقد انتخابات يحتدم فيها التنافس. كما كان من المستحيل من الناحية اللوجيستية إجراء انتخابات تحت طلقات المدافع.

صوّت برلمان طبرق خلال شهر أيلول/ سبتمبر على قانون تنظيم الاستفتاء بخصوص الدستور. ما هي الخطوات التالية قبل عقد الانتخابات؟

 

لم أر بعد هذا القانون الذي تتحدثون عنه! وهو الحال بالنسبة للمفوضية العليا للانتخابات أيضا، خصوصا وأن رئيس برلمان طبرق أبلغنا بأن هذا القانون لن يُصادَق عليه إلا إذا كان هناك تعديل دستوري يسمح بإقحام شروط إضافية على نص القانون. ويشمل ذلك الحصول على موافقة ثلثي الناخبين من أجل تبني هذا المشروع الدستوري، والذي خطط له منذ البداية. كما يجب أن نتأكد من أن الموافقة “بنعم” قد بلغت أكثر من 50 بالمائة من الأصوات في كل من الأقاليم الثلاثة [طرابلس وفزان وبرقة]، وهذا يتطلب تعديلا دستوريا ونصاباً قانونياً أهم.

في المقابل، لم يتم التصويت على هذا التعديل. وقد أخبرنا رئيس البرلمان أن ذلك لا يغير شيئا من حقيقة أن القانون قد تم إقراره، لكن هذا التعديل الدستوري يبقى ضروريا. ولنكون صريحين، لم نحقق الكثير من التقدم في هذا الشأن، وإلى حد الآن لا يمكن إجراء الاستفتاء.

التدوينة غسان سلامة: “لا يمكننا إجراء انتخابات تحت وقع تصعيد القتال” ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “غسان سلامة: “لا يمكننا إجراء انتخابات تحت وقع تصعيد القتال””

إرسال تعليق