طرابلس اليوم

الاثنين، 16 يناير 2017

الحرب المؤجلة في جنوب ليبيا الشرقي

,

يعود الحديث عن الوضع في الجنوب كلما خفت حدة الصراع في شمال ليبيا شرقه وغرب،  الذي يشهد انقساما بين ثلاث حكومات وقوى متصارعة على الأرض كلا له ثوابته وانتماءاته السياسية.

الجنوب الشرقي الذي يعد امتدادا جغرافيا وسياسا لنفوذ الشرق الليبي الذي يقوده قائد عملية الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لم يكن حديث عهد بالتوتر كحال بقية المناطق الليبية، فبركان الخلاف بين العرب والتبو المكونان الرئيسيان في المنطقة متفجرٌ منذ ما قبل ثورة فبريار 2011، التي أطاحت بالزعيم الليبي معمر القذافي عام 2011.

ومنطقة جنوب شرق ليبيا الممتدة من الواحات(المكونة من بلدات جالو- أوجلة – اجخرة) شمالا إلى حدود السودان وتشاد جنوبا، والحدود المصرية شرقا، تشهد بين الفينة والأخرى صراعا تنهيه جهود مصالحة قبلية هشة، أو قوة عسكرية من العاصمة المركزية في طرابلس، سرعان ما تخرق بمرور عدة أشهر. وهذا ماتعيشه المنطقة  منذ بدء التوتر بين العرب والتبو في 2008.

أطراف الصراع

والصراع القائم بين مكون التبو، وهم مجموعة عرقية تقطن شمال تشاد وأقصى جنوب ليبيا، والقبائل العربية، وأبرزها “الزوية” وبعض التحالفات من قبائل عربية صغيرة بينها “المجابرة” و”الأواجلة” و “الأشراف” تقطن مدينة الكُفرة.

منطقة الصراع

وتتركز منطقة الصراع  في مدينة الكُفرة معقل قبيلة الزوية وضواحيها ؛ ومثلت مدينة الكفرة بؤرة الصراع في المنطقة، الذي كان خفيا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، وظهر للسطح في الألفية الثالثة.

ولم تشهد الكفرة صراعا قبليا منذ تكونها كمدينة، واستقبالها للحركة السنوسية، واستيطان القبائل العربية إلى جانب عائلات من قبيلة التبو منذ القدم.

جذور الصراع

وتعود جذور الصراع إلى استيطان عائلات من قبائل التبو ممن يحملون الجنسية التشادية لمنطقتي “قدرفي” و”حي التبو” بالمدينة بعد نزوحهم من سوء العيش في قطاع أوزو شمال تشاد، الذي كان محل نزاع بين ليبيا وتشاد.

قطاع أوزو

نشر الزعيم الليبي معمر القذافي قواته في القطاع اعتمادا على معاهدة وقعها في ديسمبر 1972 مع  الرئيس التشادي تمبلباي تعطي أحقية ليبيا إدارة القطاع، والمعاهدة مبنية على معاهدة سابقة تنازل بموجبها المحتل الفرنسي لتشاد عن القطاع للمحتل الإيطالي لليبيا عام 1935م.

وأصل الصراع تلك العائلات النازحة من القطاع بعد أن أصدر لها النظام الليبي، الذي يدير المنطقة بطاقات تعريف ليبية وجنسيات فيما بعد، قبل أن تندلع حرب بين البلدين دامت لعشرة سنوات انتهت برجوع الدولتين إلى محكمة لاهاي التي فصلت في الخلاف وحكمت بأحقية دولة تشاد للقطاع؛ الأمر الذي دفع القذافي إلى إعطاء أوامر بترحيل تبو أوزو من ليبيا إلى القطاع، ونزع الجنسيات منهم عام 2007. ومن هنا بدأ ت جذور الصراع بالتزامن مع تأسيس جبهة إنقاذ التبو بالنرويج من قبل شخص يدعى عيسى عبدالمجيد منصور الذي كان يعارض نظام القذافي من النرويج، ويطالب بحق تبو أوزو في الحصول على الجنسية الليبية .

صراع على المواطنة

يعزو مراقبون الصراع إلى افتقاد المكانة التي كان عليها تبو أوزو في الكفرة قبل نزع الجنسية، ومعاملة أبنائهم معاملة الأجانب، إضافة إلى رواسب قديمة بين قبيلة الزوية التي تمثل الثقل الاجتماعي في مدينة الكفرة، تجاه الوافدين الجدد الذين وطنتهم السلطة المركزية دون رضاهم .

التبو الليبيين من زاويتهم اصطفوا إلى جانب أبناء عمومتهم، تبو أوزو في مطالب الجنسية، وجذبتهم أخوة العرق، واعتبروا أن المنطقة من أوزو وحتى جنوب ليبيا مناطق تاريخية عاش فيها التبو قبل مجئ العرب. بينما رفض الزوية والقبائل العربية المتحالفة معهم ذلك، وتعاملوا على أساس المواطنة واتهموا زعيم جبهة إنقاذ التبو وقيادات القبيلة  بالسعي إلى إقامة دولة لمكون التبو في الجنوب الليبي مدعومة من فرنسا.

بدأ الاحتقان يتنامى شيئا فشئيا إلى أن تحول إلى صراع مسلح في 2008، سرعان ما ينتهي بجهود المصالحة، أو قوة أمنية ترسلها العاصمة لحفظ الأمن في الكفرة، إلا أن كل ذلك لم يفلح في إنهاء الصراع العالق بين القبيلتين.

عقب اندلاع ثورة فبراير عام 2011 وانتشار السلاح، زادت شدة الصراع بصيغ أخرى؛ منها اتهام الزوية للتبو بالانتماء لنظام القذافي، وسرعان ما تحولت المدينة إلى ساحة للاشتباكات المتقطعة، مع بعض المصالحات والكتائب المحايدة لحفظ السلام في المنطقة من شرق ليبيا خصوصا وأبرزها كتيبة درع ليبيا المشكلة من رئيس الأركان عام 2012.

اتهامات متبادلة

قبيلة الزوية خلال فترة الصراع كانوا يتهمون التبو بالاستعانة بحركة العدل والمساواة المعارضة السودانية ومجموعات مسلحة تشادية، وهو ماينفيه التبو، ويتهمون قبيلة الزوية بتأجيج الرأي العام الليبي ضدهم والاستعانة بقوات من شمال البلاد.

من جانبه ينفي، جبريل آدم بلال، أمين الإعلام والناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة المعارضة السودانية، في تصريحه لموقع ليبيا الخبر أن يكون للحركة أي علاقة أو تدخل في الصراع الواقع في ليبيا.

إلا أن أطرافا من قبيلة الزوية يؤكدون استعانة التبو بالحركة وقتال الحركة ومسلحين من التبو إلى جانب قوات عملية الكرامة، التي يقودها حفتر في شرق ليبيا، إلى جانب مشاركتها مع حفتر في قتال قوات حرس المنشآت النفطية التابعة لحكومة الوفاق في الهلال النفطي.

من جهته يشير أمين الإعلام والناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة إلى أن الاتهامات الموجهه للحركة بالقتال في صف اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا وجنوبها لا أساس لها من الصحة وقال: “ليس لنا أي علاقة بحفتر لا من قريب ولا من بعيد”.

وتؤكد تقارير وتصريحات مسؤولين بحكومة الوفاق الوطني مشاركة قوات التبو وحركة العدالة والمساواة في القتال إلى جانب حفتر واستعانة التبو بالحركة السودانية في معارك الكفرة وهو مايصرح به قادة الكتائب في مدينة الكفرة بعد كل معركة يخوضها الطرفان.

أهم الفصائل المسلحة

وتعد كتيبة “أحمد الشريف” هي أهم وأكبر كتيبة للتبو ويتزعم الكتيبة علي سيدا التباوي، ومعاونه شقيقه محمد سيدا.  الكتيبة تدين بالولاء لعملية الكرامة وقائدها حفتر في شرق البلاد، وجزء منها يخوض المعارك في بنغازي والهلال النفطية، بينما يتمركز جزء آخر في بعض المناطق المحيطة بالكفرة، وأبرزها حقل السرير النفطي ومنطقة ربيانة الحدودية.

أما كتائب الزوية فأهمها كتيبة “ثوار الكفرة” التي يقودها عادل شويشين، ولا يدين بالولاء لحفتر. وكتيبة “سبل السلام” ثاني أكبر قوة لقبيلة الزوية و يحمل منتسبوها الفكر السلفي تدين بالولاء لحفتر وتعتبره ولي أمر شرعي ويقودها عبدالرحمن هاشم الزوي.

ورغم تبعية الكتائب الممثلة للتبو وكتيبة سبل السلام ثاني أكبر قوة ممثلة  للزوية لحفتر، إلا أن الأخير لم ينجح في توحيدهم وإنهاء الصراع العالق منذ تسعة أعوام .

ويتوقع مراقبون أن تدخل المنطقة في حرب دامية بعد انتهاء الصراع في الشمال، ولن تتوقف هذه بجهود مصالحة هشة كمثيلاتها؛ خصوصا وأن كتائب ممثلة للأطراف تُدعم بالعدة والعتاد من قيادة عملية الكرامة.

التدوينة الحرب المؤجلة في جنوب ليبيا الشرقي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الحرب المؤجلة في جنوب ليبيا الشرقي”

إرسال تعليق