طرابلس اليوم

الأحد، 29 أبريل 2018

تكريس الصراعات المحلية في سبها وانعدام الحل

,

عبدالمنعم الجهيمي/ وصحفي وكاتب من سبها

منذ العام 2011 وسبها تشهد اشتباكات قبلية مسلحة بشكل متكرر سنويا، وقد تتكرر في العام الواحد أكثر من مرة، حتى حَفِظَ أهل المدينة سيناريوهات كل تلك الاشتباكات، فيكون ترتيبها كالتالي؛ عملٌ أحْمق يرتكِبه شاب من قبيلة “س” ضد شاب من قبيلة “ص” يتطور الموقف فيُقْتلُ أحدهما، فتستعر نيران الحرب بين القبيلتيْن لأيام، يقع خلالها عديد الانتهاكات من قتل وتدمير منازل المدنيين واختطاف وإغلاق للطرق، قبل أن يتحرك الأعيان لرأبِ الصدع وفرض هدنة هشة.

وهنا مربط الفرس “الهدنة الهشة” فسبها تعيش منذ 2011 مجموعة من الهُدن الهشة، التي ساهمت في تنظيم عملية تدمير المدينة وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وهو ما جعلها الآن تتصدر قائمة المدن التي تسودها الفوضى والإجرام والفساد بمتلف أشكاله وأنواعه وأحجامه، هي مدينة صارت معاركها القبلية ملاحما بطولية يتغنى بها الشباب ويفتخرون بأيامها وأحداثها وتفاصيلها الوحشية.

ذلك المشهد أصبح مألوفا بل ومستحبا لدى الكثيرين، حرب تتعزز فيها العصبية القبلية، وتستعيد كل قبيلة أمجادها وتاريخها، بالمقابل تتجدد الأحزان مع كل حرب، فيسقط القتلى والجرحى ويُفْقدُ الشباب، وتتوسع دائرة الكراهية لتشمل عددا أكبر، وتتشعب أسباب الخلاف وتتعقد، ويختلط الخاص بالعام، حتي يصبح من الصعوبة بمكان أن تجد سببا أوليا يمكن أن تُبْنَي عليه المصالحة.

ما ينقصُ كل مبادرات الصلح بالجنوب عدة نقاط لعلّ أهمها، انحسار جهود الأعيان في الهدف الآني البسيط، وهو وقف القتال لأجل وقف القتال، فمع ازدياد الصرخات والعويل وتنوع المآسي؛ يصلُ الجميع إلى الرغبة في توقف القتال دونما السعي للتفكير فيما وراء ذلك التوقف.

وبالطبع تنجح تلك المحاولات، فقد أصاب الوهن كل الأطراف، بعد سقوط عشرات القتلى وخراب الكثير من ممتلكاتهما، عندها يصلون بسهولة لمرحلة التوقف، التي يقع خلالها تبادل الأسرى وفتح الطرقات ولملمة الجراح وإقامة المآتم التي تستجرُ موجة من الكراهية الجديدة والتي ستكون حطب الحرب القادمة.

بعد توقف الحرب والتأكد من التزام الطرفين بوقف إطلاق النار، يعود الأعيان أدراجهم إلى منازلهم، ولا يقدمون على الخطوة التالية، وبهذا تتكرس العوامل التي لا تزال قائمة في التجهيز لحرب أخرى قد تطول أو تقصر.

مع مرور الوقت صار ملف الخطوة التالية أشد صعوبة وتعقيدا، هذا الملف يتضمن حصر الأضرار وجبرها، وحصر مرتكبي الانتهاكات ووضعهم القانوني، وإعلان حالة الصلح التام.

وهذه الأمور تعقدت بسبب طول المدة وكثر الأضرار وتشعبها واختلاط ما هو عام بما هو خاص، حيثُ فقد كل فريق الثقة في مصداقية غريمه، وصار تحديد الأضرار وقيمتها أمرا تحكمه أمزجة وأهواء ومصالح ومطامع المتضررين، كما اختلطت المشاكل الشخصية والأسرية وما نتج عنها بالمشاكل العامة وما حملته دوما من أوضاع جديدة ومبهمة، إضافة إلى انعدام الرؤى تجاه الوضع القانوني لمن ارتكبوا الانتهاكات؛ ولمن يجب أن يقع تسليمهم، وكيفية التعامل معهم في ظل فوضى المشهد الأمني وتخلخل عمل السلك القضائي في هذه الجوانب.

ولا ننسى أن كل هذا يقع في منطقة رخوة إن جاز التعبير، تسعى حكومات ليبيا إلى بسط سلطانها ونفوذها ولو اسميا عليها، ولا تتورع في سبيل ذلك عن تغذية الصراعات المحلية بين قبائلها، تارة بالسلاح وتارة بالمال وتارة ببيانات الشرعية التي تضفيها على حلفاءها أو من تريدهم كذلك، وبهذا تكتمل صورة المشهد السبهاوي الذي نجح الجميع في تعقيده وبعثرة أوراقه بامتياز.

لعلَّ الحل هنا يصبح صعب المنال، ولكنه غير مستحيل، نحتاج إلى الكثير من الهدوء والتروي قبل أن نبدأ في محاولة علاج أخطاء السنوات الثمانية، كما نحتاج لفترة تبتعد فيها حكومات ليبيا جميعها عن التدخل في الصراعات المحلية بالمدينة، وأن تكون للأعيان مبادرات أكثر جرأة ومصداقية وتأثيرا، ولكن كل تلك الجهود لن ترى النور في ظلام المصالح السياسية التي أغرقت المدينة في بحر من الأحقاد العمياء.

التدوينة تكريس الصراعات المحلية في سبها وانعدام الحل ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تكريس الصراعات المحلية في سبها وانعدام الحل”

إرسال تعليق