طرابلس اليوم

الخميس، 26 أبريل 2018

(من الذاكرة) خيبة أمل لصديق

,

الهادي بوحمرة

تعود على الجلوس مساءً مع صديقه في مقهي وسط المدينة، يتناقشان في السياسة والقانون والرياضة، يتجادلان، يتخاصمان، يختلفان، يتفقان. لا يخوضان- كثيرا- في حياتهما الخاصة، قليل ما يسمع شكواه، فهو كتوم بطبعه. لكن هذه المرة الأمر جلل، لا يمكن الخوض في غيره.

صديقه انفصل عن شريكة حياته. بعد سنين تحت سقف واحد، ذهب كل منهما لحال سبيله.

يعرف صديقه جيدا، فهو رجل متزن، ملتزم، راض بنصيبه من الدنيا، لكنه كثيرا ما يشطح بعيدا عن الواقع، ولا يقبل أنصاف الحلول.

بعد زواجه بعام قال له صديقه متفائلا:

اختار كل منا الآخر لنكون واحدا لا اثنين، نكسب معا، وننفق معا، نتقاسم الأفراح والأتراح، ننجح معا، ونفشل معا، نحمل عنها وتحمل عني، تسندني واسندها، تصد عني واصد عنها.

وبعد مرور بضع سنتين ، عبر له عن خيبة أمله قائلا:

لها حياتها وحاجاتها ومالها واسرارها، لها أهلها ورفيقاتها، وما أنا إلا جانب من دنياها، الحياة بالنسبة لها أكبر من أن تختصر في شخصي. الحساب لديها يطول العشرة، معي ومع غيري، والغبي عندها من يضع بيضه في سلة واحدة، ولو كانت هذه السلة هي سلتي. الحياة عندها بينة قائمة على تقاسم الادوار، وعلى كل طرف الوقوف عند دوره. وليس لها أن تحمل نفسها أكثر مما يجب.

وبعد مرور عدة سنين، لخص له نتيجة صراعه معها، بقوله:

حاولنا أن نعيش معا، كنت أريد أن تنتفض من أجلي، أن تقاطع قريبين من أجلي، أن تحب بعيدين عنها من أجلي، أن تنتصب دفاعا عنى، لا أن تُقبل على من يجهرون بسوئهم ضدي، وتغشي مجالس من يعتريهم السواد لذكري. كنت أريد أن تعوضني عن سوء الحظ في البشر الذي رافقني، لكنها لم ترد أن تخسر أي أحد، لأنها تضع في حسابها أنها يمكن أن تحتاجه يوما قد تنفصل فيه عنى، أبت إلا أن تكون هي كما هي. فما كان منى إلا أن أكون أنا كما أنا. بذلت ما في وسعي على أن تكون كما أريد، لكنها أصرت على أن تكون كما تريد. الفراق كان أمرا لا مفر منها، فأن يأتي اليوم أفضل من أن يأتي غدا.

حاول أن يتدبر أمر صديقه، ويسأل نفسه عن هذه النهاية، لم يجد إجابة غير أن صديقه وشريكه شخصان مختلفان، صديقه يريد أن يعطى بغير حساب، ويأخذ بغير حساب، أما هي فلا تعطى إلا بحساب، ولا تأخذ إلا بحساب. صديقه يريد أن يكون كل شيء بينهما على الشيوع، وهي تريد أن يكون كل شيء بينهما بمقاس. صديقه ارادها أن تستبدل محيطها بمحيطه، وهي أرادت أن يكون لها أكثر من محيط. صديقه يريد أن يغامر معها بكل شيء، وهي تريد الحيطة من كل شيء. في النهاية، هو اضاعها لأنه كان يريدها كما يرى، وهي خسرت بحيطتها وحذرها أكثر مما كسبت.

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

التدوينة (من الذاكرة) خيبة أمل لصديق ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “(من الذاكرة) خيبة أمل لصديق”

إرسال تعليق