طرابلس اليوم

الأربعاء، 25 أبريل 2018

كتاب المتعصب .. !!

,

عطية الأوجلي/ كاتب ومثقف ليبي

اعتقدت ملكة جمال أميركا السابقة والمذيعة بمحطة فوكس نيوز، لورين غرين أنها ظفرت بصيد سمين سيعزز من شعبيتها لدى المشاهدين ومن أسهمها لدى مديريها، فضيف برنامجها لتلك الليلة لم يكن سوى رضا أصلان، هو أميركي من أصل إيراني مسلم الديانة كان كتب كتابًا مثيرًا للجدل عن المسيح عليه السلام بعنوان (المتعصِّب: حياة وزمن يسوع الناصري)، والذي يطرح من خلاله رؤية جديدة لعيسى عليه السلام.

سألته بثقة وهي بالكاد تخفي ابتسامتها، “أود أن أعرف كيف يمكن لك، وأنت المسلم، أن تتجرأ وتؤلف كتابًا عن نبي المسيحية؟” فرد قائلاً: “لأن هذا عملي كأستاذ جامعي، أنا أستاذ في تاريخ الأديان، بما فيها الإنجيل، هذا ما أفعله من أجل لقمة العيش، إن الأمر مشابه للطلب من مسيحي أن يكتب عن الإسلام”.

ارتبكت قليلاً، ثم أعادت طرح السؤال بالصيغة نفسها تقريبًا، فأجابها “أنا عالم أديان، أحمل أربع شهادات، واحدة منها في العهد الجديد، وأتقن اليونانية القديمة، درست نشأة المسيحية لعقدين، وإن كنت مسلمًا”، زاد الارتباك لديها. فاتهمته بأنه أخفى إسلامه عن القارئ، فرد قائلاً: “يا سيدتي لو قرأتِ الصفحة الثانية من الكتاب لوجدتِ فيها أنني أعلم القارئ بوضوح بأنني مسلم الديانة”.

أحدثت المقابلة ضجة كبيرة بأميركا ودفعت بالكتاب إلى قائمة أشهر المبيعات، ونال الكاتب تعاطف قطاعات واسعة من المثقفين الأميركيين الذين احتجوا على الأسلوب الاستفزازي للمذيعة، وتساءل بعض منهم: لماذا لا تتساءل “فوكس نيوز” عن حق الكتّاب المسيحيين واليهود في الكتابة عن الإسلام عندما تستضيفهم، بينما تعد الأمر موجبًا للتساؤل عندما يتعلق بمؤلف مسلم عن المسيح؟ ونشرت صحيفة “الواشنطن بوست” مقالاً تطالب فيها محطة “فوكس نيوز” بالاعتذار للكاتب.

هكذا أسهمت هذه المقابلة في نشر الكتاب بصورة لم يحلم بها الكاتب، وجعلت منه ضيفًا على أشهر اللقاءات التلفزيونية والندوات الثقافية.

يطرح أصلان في كتابه رؤية عن السيد المسيح تناقض الآراء السائدة حوله، فهو يراه ليس كرجل سلام وإنما كمناضل صلب وشرس من أجل حقوق اليهود، ومن أجل تحريرهم وتحرير الأرض المقدسة من حكم الرومان وإرساء مملكة دينية يهودية نقية! ويناقش الكاتب الكثير من المسلمات حول السيد المسيح وموقفه من الصراع ضد الرومان وقضية صلبه وقضايا الكتابة التاريخية عنه، ويقدم الكثير من الأدلة والأطروحات التي تعزز من وجهة نظره هذه.

وحسب رواية الكاتب، فإن عيسى عليه السلام ولد في الناصرة وترعرع بها وكان عاملاً فقيرًا، وتتلمذ على يد يوحنا المعمدان، ولم يكن ينوي مطلقًا تأسيس الكنيسة، بل كان مخلصًا للشريعة اليهودية، وأنه كان مناضلاً ضد الرومان وضد كبار كهنة المعابد وأثرياء اليهود المتعاونين معهم.

ويرى الكاتب أن صلب المسيح سواء تم أم لا هو دليل على موقفه السياسي، فالرومان لم يكونوا معنيين بالدعوات الدينية، وإنما كانوا يصلبون من يثور ضدهم أو من يحرض على الثورة، كما يقدم الكتاب تفسيرات لمسألة نشأة الكنيسة المسيحية وتأثر المسيحيين الأوائل بالفلسفة اليونانية ويقدم دراسة تفصيلية للبيئة السائدة آنذاك بفلسطين، خصوصًا أدوار الفلاحين اليهود وطبقة الكهنوت.

وعلى الرغم من أن الكاتب مسلم الديانة، وسبق له أن كتب كتابًا مشهورًا حول الإسلام نال عدة جوائز، فإنه في بحثه هذا التزم الحياد وقدم ما استطاع من الأدلة التاريخية كباحث تاريخي محايد يستطيع أن يفصل بين معتقداته الشخصية وبين متطلبات العمل العلمي الذي لا يعترف إلا بالأدلة والقرائن.

وبغض النظر عن رأي القارئ فيما وصل إليه الكاتب من استنتاجات فإن هذا النوع من الكتابات حول الشخصيات التاريخية لن يتوقف وسيبقى دائمًا مثيرًا للجدل والخلافات ما بقيت الحياة، وعلينا أن نتذكر أن قوة مثل هذه الكتب ليس فيما تطرحه من “حقائق” وإنما فيما تثيره من تساؤلات وجدل ونقاش يدفع بالفكر الإنساني نحو الرقي ويجدد المفاهيم السائدة ويمنحها روحًا جديدة. فالأديان راسخة وباقية، ولكن ما يتغير هو تفسير الناس لها وعلاقتهم بها.

المصدر: صفحة الكاتب على الفيسبوك

التدوينة كتاب المتعصب .. !! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “كتاب المتعصب .. !!”

إرسال تعليق