طرابلس اليوم

الأحد، 29 أبريل 2018

مثل الطماطم .. للإنسانية مواسم

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

لا تكاد تمر فاجعة على الليبيين إلا و نصبوا لها خيام الشجب والتنديد وإبراز الروح الإنسانية تجاه ضحاياها وتشكيل محاكم شعبية ضد مرتكبيها ، فتجد قديماً أحاديث المرابيع تقيم صالونات سياسية تحلل فيها هذه الفضائع وحديثاً لا تخلوا صفحة على الفيس بوك أو تويتر من تقييم وضعها وتوجيه الناس نحو ردة فعل مناسبة لها ، وفي العادة يضل الرأي العام منشغلاً بقضية ما حتى تضع أحكام القضاة فيها أوزارها ، فتمر واضعة بصمة الجريمة والعقاب خلفها حتى تبقى قصة الفاجعة عبرة لمن يعتبر ومنبهاً لمن يريد استنساخ هذا الجرم وإعادة حيثيات الفعل المشين .

ولكن الحالة الليبية لها رأي آخر على ما يبدو ، فنحن والأمثلة عديدة لا ننتهي من فاجعة دموية حتى نلتهي بأخرى من نوع آخر قد تكون فضيحة مالية أو أخلاقية أو قصة تخص أحدهم أثارت الرأي العام .

قصة أطفال الشرشاري من بين هذه القصص التي تواعد عند ناصيتها الليبيون جميعاً يخيطون أكفان الفاعل ويتوعدون من ساند ولو بالسكوت ، ويدعون للضحايا دموعاً وتغييراً لصور البروفايل على الانستا ، بل وسبوا وشتموا الظروف التي أوصلت الحال الذي نحن فيه وعلى رأسها اليتيمة التي تعلق عليها كل أفعال الغوغائة وهي فبراير ، ولا يكاد تجمع اجتماعي ولا طابور مصرفي أو زحام على ليترات البنزين إلا وكان الأمر الجلل هو العنوان (( أطفال الشرشاري )) ، ولكن ماذا بعد ؟! .

ولأن للإنسانية مواسم في بلدي ولأن الليبيين لا يعرفون توزيع الأدوار ، فهم يتوجهون نحو الفعل بعينه جملة ولا يفصلون ، فإن حدث أمر أو تفاقمت قضية تركنا البكاء على ( س ) لننوح على ( ص ) ، وهنا ترك الرأي العام قضية أبناء الشرشاري وحيثيات قضيتهم بل وتناسوا موعد دفنهم ليتوجهوا نحو حدث اختفاء حفتر ليمارسوا دور الصحفي الاستقصائي والمحلل السياسي والمنظر الاستراتيجي إلى أن تأذن الظروف ويتوجه الليبيون إلى قضية أخرى ويهملوا بالتالي اختفاء حفتر.

ولكن ما الذي يجعل الليبيين موسميين في عواطفهم وانتقائيين في توجهاتهم ولماذا كل هذا التغيير في الأنماط ، نمط التفكير والاختيار والحب والكره ولماذا كل هذا الانتقال من مربع لآخر ؟ ، هل هو التغيير هرباً من رتابة الملفات إن طالت ؟ يقول أحد الكتاب الليبيين أن الثابت الوحيد في ليبيا هو التغيير ، التغيير في المواقف والتغيير في الاهتمامات .

وقد مرت على الذاكرة الليبية كثير من الأحداث التي تفاعل معها الليبيون كثيراً ولكنهم لم يتفاعلوا معها طويلاً فانتهت بمجرد دخول حدث على الخط ، فمن حقن الأطفال الليبيين في مستشفى بنغازي بإبر الايدز ومروراً بمذبحة ابوسليم ومحرقة اليرموك وضحايا أطفال درنة جراء القصف وقتل الأطفال المتخطفين مقابل الفدية المالية التي توجت بجريمة أطفال الشرشاري ، ويبدو أن أصحاب الجرائم قد تأقلموا مع هذا الوضع فأصبحوا لا يألون جهداً في تكرار الأفعال المشينة التي ارتكبت سابقاً من الدولة الليبية وتمارس حالياً من الميليشيات المسلحة والعصابات المارقة وسط تكتم وتفويت شعبي يشجع المجرمين على امتصاص غضب الشارع لأيام معدودة معتمدين على ما اعتاده الناس من تكرار جملة (( تو ينسوا !! )) .

فعلى الرأي العام والنخب الموجهة لمشاعر المواطنين أن يسعوا جاهدين لكي لا تتكرر هذه الأفعال بتسليط الضوء على ثناياها ولا يتركوها حتى يروا الحساب والعقاب على مرتكبيها لتكون العبرة حاضرة ويكون الخوف من القصاص بارزاً رؤيا العين ، وأن لا تكون المشاعر والمواقف كالخضار والفواكه موسمية يزين بعضها أسواقنا شتاءاً وبعضها صيفاً ، نريد مشاعر ومواقف ثابتة واضحة مستمرة حتى نوصلها بسلامة الله إلى النتيجة ولا بأس حينها لو انتقلنا إلى ما يليه.

التدوينة مثل الطماطم .. للإنسانية مواسم ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “مثل الطماطم .. للإنسانية مواسم”

إرسال تعليق