طرابلس اليوم

الاثنين، 30 أبريل 2018

امتحانات الثانوية العامة سليم التشخيص ومجازفة التطبيب

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

مهما اختلفنا أو اتفقنا تبقى ظاهرة الغش عند إجراء طلابنا للامتحانات مُسلم بها، وتعاني منها جميع مراحل التعليم، ولم تقف عند منطقة معينة، ولا مدينة دون غيرها من مدن ليبيا، بل إنها انتقلت من الطالب كعنصر مستفيد بشكل غير قانوني ولا أخلاقي، حتى طالت بعض المعلمين، ولم يسلم منها بعض أولياء الأمور، وتبقى الاستثناءات من هذا الجُرم موجودة، ويحافظ عليها الناجون من الأطرف الثلاثة ” الطالب، والمعلم، وولي الأمر” هذه النماذج موجودة، وستظل باقية، باعتبارها تمثل الجانب القيمي والأخلاقي بسير العملية التعليمية .

عجزت وزارات التعليم في القضاء على ظاهرة الغش بالامتحانات خاصة بمرحلة الثانويات العامة والمعاهد، وقد استفحلت وظهرت للعيان بامتحانات العام الدراسي 1996م – 1997م عندما اعتمدت أمانة  التعليم مبادلة لجان الإشراف على امتحانات الشهادة الثانوية، وأخفق معها أُمناء اللجان الشعبية بزمن سلطة سبتمبر، في الحد منها أو القضاء عليها، حتى إنها وصلت لأن تكون من ضمن الخطوات العملية التي تمر بها حالة إجراء الامتحانات، وساهمت ثورة المعلومات والتطور التقني “الإلكتروني” في تفشي هذا الداء القاتل، فتيسر للطالب الحصول على المعلومة المطلوبة بورقة الأسئلة التي أعدها المختصون، وتفنونوا في بنائها، فأصبحت تصل الطالب عبر هاتفه النقال في بعض الحالات، سواء أكان ذلك بمباركة الأساتذة المشرفين أو بعضٍ منهم، أو بتساهلهم وغض الطرف عنها بمسرح إرتكاب الجُرم.

تفطن وزير التعلم الحالي بحكومة الوفاق لهذا الأمر، وقادته جرأتُه للبحث عن علاج هذا الورم بمرحلته المتقدمة، واصطدم به العام الماضي خاصةً، وحاول تدارك الأمر ببعض الإجراءات التي تعارض البعض منها مع اللوائح والنظم التي تقنن سير الامتحانات، بدءً من منح أرقام جلوس الطالب، إلى أن يُعلن عن نتيجته، رغم أن هذه اللوائح تُجرم عملية الغش بالامتحانات، وتودي بمرتكبها إلى النيابة العامة، وقد حدث هذا في ماضي الزمان، وقد جزت بتربويين أفاضل لردهات الحبس بتهمة الإهمال البسيط.

وصل وزير التعليم لتشخيص المرض، وإن كان معلومًا للكبير والصغير، وحاول شرفاء المهنة بربوع الوطن الحيلولة دون وقوع هذا الفعل، لكن الأمر وصل لمرحلة السقف الأحمر بسلم المخاطر، فقد تحصل الطالب المتدني التحصيل على نسبة نجاح عالية تصل 99.99%  تؤهله لدخول مركز أبحاث “نانسا” وليس لإحدى الجامعات الليبية، في الوقت الذي لا يستطيع فيه أن يقوم بملء استمارة القبول بالجامعة، وقد أزاح -هذا الغشاش المغشوس-الطالب المجتهد المتحصل على نسبة 88% والمؤهل فعلًا للدراسة بالكليات التي تشترط نسب نجاح عالية، كالطب والهندسة وطب الأسنان، ولذلك لجأت بعض الكليات لإجراء امتحان قبول كنوع من المعايرة، فكانت كوارثنا التي صُدم معها الفشاش والغاش والمغشوش، لكنها تعارضت مع القوانين في بعض الأحيان، ومع ثقافتنا الاجتماعية التي تدهك القوانين وتسحقها سحقًا، فجاءت نتائجها غثة .

ومن معرقلات عملية القضاء على ظاهرة الغش هو أن البعض يراها في حدود قطاع التعليم فقط، دون النظر لبقية القطاعات الأخرى، والتي يندر معافاتها  من هذا المرض، فقد أصبح المضاد الحيوي لهذا الداء مرتبط بأخلاق وقيم من يعمل بأي قطاع من القطاعات بالدولة الليبة .

فلجأ وزير التعليم هذا العام لمعالجة الداء الخبيث، بأن أصدر قرارًا يتم بموجبه تأدية امتحانات هذا العام بمدرجات كليات الجامعات الليبية، وأوكل عملية الإشراف لأساتذتها وتحت لجان مراقبتهم ونظامهم، هي محاولة من ضمن عدة محاولات سبقتها، ونعدها في إطار حسن نية الوزارة وجديتها في محاربة هذا السرطان الذي ينخر ” ليمفونيات” العملية التعليمة والتربوية.

لكن ومن باب الموضوعية يتحتم علينا طرح عديد الأسئلة بالخصوص، أطرحها ولا أعُد نفسي متفيقهًا بالجانب التربوي والتعليمي، لكني لست طارئًا ولا متطفلًا عليه، وعندي من الخبرة بالمجال ما يشجعني على إسقاط دلوي دون رشاء ورفعه كذلك.

لنكن أكثر وضوحًا وشفافية وموضوعية، فهل التعليم الجامعي تخطاه أتون هذا الحريق؟! رغم أن الأرضية واحدة، فلا طلابنا بالجامعات هابطون من كوكب غير موكبنا، ولا مؤسساتنا الجامعية أوجدها ظرف غير الظرف بحي المدينة الفاضلة، وكذلك اعضاء هيأة التدريس بها، هم من طينتنا،  أوجدهم مجتمع التعليم الأساسي، والتعليم الثانوي، مهما باعدت بينهم السنون، نكرر أن التعميم مرفوض وغير مقبول، لكن الإقرار بالحقيقة نصف العلاج، إن لم تكن كله، صحيح أن الضوابط بالتعليم الجامعي قد تكون أكثر انضباطية، لكنه لا يفتقد أمراض التعليم العام، ولا أظن أن الجامعات التي تسمح لطلابها بسكب المحروقات والطين اللازب على الخريجين يوم تخرجهم بإمكانها أن تمنع ظاهرة الغش أو أن تحد منها، بل أخشى أن يؤدي كبر المدرجات وبعض القاعات لأن يكون عامل هدم ويتيح للطلاب ممارسة الغش بغير ما كان، وقد يتحول لمهرجان، ولا ننسى أن الأسلوب بالمرحلتين التعليميتين فيه شيء التباين، مهما صدقت نوايا المشرفين، ومهما بذلوا من جهد .

قرأت مؤخرًا منشورًا على صفحة أستاذ جامعي قال فيه “لن أشترك بالإشراف على امتحانات الثانوية العامة لسببين، الأول أنني لن أقدح بأمانة أفاضل تتلمذت على أيديهم بمراحل التعليم السابقة، والسبب الثاني أن هذه العملية ليست من اختصاصي” قد تتورم مثل هذا الدعوة بشكل جلي أو خفي، جلي كما جاء على لسان الأستاذ الجامعي بصفحته، وخفى بأن يقوم أساتذة الجامعة وموظفيها بتأدية المهمة على مضض، أو أن تكون النتيجة غير بعيدة عن سابقتها، وهنا تتحول الفكرة لتشخيص صحيح وعقار خاطيء.

التدوينة امتحانات الثانوية العامة سليم التشخيص ومجازفة التطبيب ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “امتحانات الثانوية العامة سليم التشخيص ومجازفة التطبيب”

إرسال تعليق