عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي
إذا عدد العاقل ما يتمتع به من نعم وما يرفل فيه من نعيم علم مقدار تقصيره في الشكر والعرفان لصاحب الفضل والامتنان سبحانه وتعالى.
ومن أعظم النعم التي تغيب عن حسنا ولا تنال نصيبا من شكرنا للمتفضل بها علينا سبحانه نعمة العافية والصحة فعلى الرغم من أن الوقت الذي يتمتع فيه الإنسان بالصحة ويتقلب في العافية يمثل الجزء الأكبر من عمره إلا أنه يغفل عن واجب الشكر والاعتراف بفضل المعافي سبحانه.
والعجب العجاب من هذا المتغافل عن شكر نعمة الصحة والمعافاة في البدن حين يمسه الضر فيصيبه الهلع ويهرع من فوره إلى الدعاء والإلحاح على الله سبحانه أن يرفعه إلى العافية وأن يمسح عليه بيمينه الشافية، ويستجيب الله الكريم لدعواته ويقضي حاجاته ويدفع عنه الضر ويشفيه من المرض فلا يلبث طويلا حتى يعاود سيرته الأولى فيغرق في لجة غفلته ويسدر في غيه من جديد كأنه لم يكن قبل قليل يتضرع بين يدي الكبير المتعال سبحانه ويذرف الدموع الغزيرة بين يدي ربه طالبا العافية وسائلا المولى الجواد من فضله
تلك إذا سيرة الإنسان وذلك شأنه منذ أن برأه الله وشق سمعه وبصره يُعرض ويتمادى في غيه كلما استشعر القوة ورأى الجاه وتكدس المال في خزائنه ولا يرعوي حتى تنزل به نازلة أو تقعده آفة لا تجدي لدفعها الحيل
وكنت قبل بضع سنوات قد اشتكيت دون أن أعرف العلة فقصدت المستشفى الليبي الألماني في بنغازي وأجريت بعض الكشوف والتحاليل فخرجت نتائجها باعثة على القلق مثيرة للهواجس
فسافرت حينها إلى الخارج لمواصلة الكشوفات ومعالجة الآفات فلما أجريت التحاليل الشاملة وعرفت حالتي معرفة كاملة شرعت في التداوي بما صرفه لي الطبيب واتجهت إلى الحمية وإدمان السير على الأقدام فتحسنت حالتي في بضعة أشهر وزال عني ما كنت أجده
وذلك فضل الله الكريم الوهاب فله الحمد والشكر حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
أقول والحديث ذو شجون إن المرض جزء من طبيعة هذه الحياة ولا ينفك عنه أحد
غير أن الغريب هو ما نشاهده في بلادنا من ضعف المسؤلين في قطاع الصحة منذ عقود وقصورهم عن الوفاء بالتزاماتهم تجاه مواطنيهم فيمرض المريض ولا يجد العناية اللازمة ولا الدواء ولا يفكر المسؤولون الذين درسوا وعاشوا جميعا في الخارج ويعرفون كيف تعتني الدول بصحة مواطنيها عبر تعميم التأمين الطبي وطبيب العائلة والبرامج الطبية المتنوعة ثم لا يبذلون جهدا لتوفير مثل هذه البرامج والوسائل والآليات لمواطنيهم عندما يتولون المناصب الصحية الرفيعة بل وعلى العكس من ذلك تماما تتآكل المرافق الصحية العامة يوما بعد يوم وتغزو السوق عيادات خاصة لم تتوفر في معضمها المعايير الدولية للعيادات الطبية المعتمدة
وقد تصدمك مادية بعض العاملين في القطاع الطبي الذين افتتحوا عيادات لدرجة أن أحد الآباء يؤكد لي أن طبيبة في عيادة مرموقة في بنغازي ألحت على زوجته التي سبق لها الإنجاب بطريقة طبيعية دون تدخل جراحي عدة مرات بضرورة إجراء عملية قيصرية من أجل الولادة وعندما رفض الزوج ذلك واصر على عدم دخول زوجته لتلك العيادة فما هي إلا أيام حتى ولدت زوجته ولادة طبيعية سلسة في عيادة أخرى فانكشفت دوافع الطبيبة الملحة للعيان
الحكومات والمستثمرون في القطاع الصحي أمام تجربة ملهمة خاضها مركز طبرق الطبي الذي استضاف فريقا طبيا من الولايات المتحدة لمعالجة الأطفال الذين يعانون من أمراض في القلب نتيجة تشوهات خَلقية وهم يعدون بالعشرات في بلادنا
المركز بتنسيق الجهود وبمشاركة الأطباء والممرضين الليبيين وتحت إشراف الفريق الأمريكي عالج 25 حالة حرجة لأطفال تتراوح أعمارهم بين 4 أشهر و9 سنوات بإجراء عمليات القلب المفتوح التي تستغرق عديد الساعات تكللت غالبيتها بالنجاح وفُتحت أما أولئك الأطفال فرصٌ للعيش دون أمراض مزمنة بعون الله ثم بنجاح من وقف خلف هذا الأمر في كل مراحله
ولن يعدم الحريصون على تطوير المستشفيات والعيادات الوسيلة من أجل الارتقاء بقطاع الصحة وتقديم خدمة تُغني الليبيين عن تكبد عناء السفر لتلقي العلاج في مختلف البلدان التي لا تتفوق علينا إلا بقليل من الجد والاجتهاد وتنصيب الأكفياء في الأماكن المناسبة لهم ليملأوا الفراغ ويسدوا الخلل ويضعوا لبنة في البناء تنتفع بها الأجيال ويصلح بها الحال.
التدوينة نعمة الصحة … وكيف نحافظ عليها ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.