طرابلس اليوم

الثلاثاء، 24 أبريل 2018

مآلات الوضع بليبيا ما بعد حفتر

,

الحسين الشيخ العلوي- باحث وأكاديمي موريتاني

أكدت جريدة لوموند الفرنسية أن المشير خليفة حفتر، الرجل القوي الذي يسيطر على معظم شرق ليبيا، في غيبوبة بمستشفى في باريس بعد إصابته بجلطة في الدماغ. وكان الجنرال البالغ من العمر 74 عامًا قد انهار ضُحى يوم الخميس 5 أبريل/نيسان 2018، فأُصيب بجلطة دماغية، أفقدته الوعي، نُقل على إثرها جوًّا من مطار بنينة في بنغازي إلى العاصمة الأردنية؛ حيث قضى بها عدة ساعات، ثم نقل في طائرة مجهزة إلى باريس؛ حيث أُدخل قسم الطوارئ بمستشفى كلامارت بيرسي، بضواحي باريس، وسط تكتم بالغ وإجراءات أمنية مشددة.

ظل هذا الأمر طي الكتمان، طيلة خمسة أيام، حتى أوردت قناة ليبيا الأحرار، المحسوبة على تيارات الإسلام السياسي بليبيا، خبرًا مقتضبًا يوم الثلاثاء 10 أبريل/نيسان 2018، مفاده إصابة خليفة حفتر بجلطة نُقل على إثرها إلى الأردن لتلقي العلاج؛ لتبدأ موجة من الشائعات والشائعات المضادة في صفوف المناوئين والمؤيدين للمشير خليفة حفتر في ليبيا، والتي ظلت طيلة يومي الثلاثاء والأربعاء وقفًا على الليبيين، حتى أوردت صحيفة لوموند الفرنسية ظهر الأربعاء 11 أبريل/نيسان 2018، تقريرًا حول تلقي المشير للعلاج في أحد مستشفيات باريس. وتضاربت الأنباء حول صحة مرض المشير خليفة حفتر، في وسائل الإعلام الليبية والعربية والأجنبية.

عملت الدائرة المقربة من المشير خليفة حفتر على اتباع استراتيجية النفي والنكران، واتهام جماعة الإخوان المسلمين بتلفيق الشائعات والأكاذيب حول صحة المشير للفتِّ في عضد الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير في شرق البلاد. وفي هذا السياق، كتب العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني الليبي، تغريدةً في صفحته على تويتر، مساء الثلاثاء 10 أبريل/نيسان 2018، قائلًا: “لا صحة للأخبار المتداولة حول الوضع الصحي لسيادة القائد العام المشير أركان حرب، خليفة بلقاسم حفتر، وهو بحالة صحية ممتازة ويتابع في عمل القيادة العامة وغرف العمليات والمناطق العسكرية وخاصة المستجدات في غرفة عمليات عمر المختار”. وظل المقربون من المشير على موقفهم هذا، إلى أن قامت قناة 218 نيوز الليبية، المقربة من الجيش الوطني الليبي، بالكشف، يوم الخميس 12 أبريل/نيسان 2018، عن اسم المستشفى الذي يوجد فيه المشير لتلقي العلاج، من قبل مراسل القناة في باريس. من هنا، تحول الموقف من الإنكار إلى الحديث عن تماثل المشير خليفة حفتر للشفاء وأنه في غضون أيام قليلة سيعود إلى بنغازي، حيث تُعِدُّ له الجماهير الليبية في الشرق، احتفالات حاشدة بعودته.

في الطرف الآخر انتشرت الشائعات في صفحات المناوئين للمشير خليفة حفتر التي أسهبت في وصف تدهور صحته وبشكل متسارع وأعلنت وفاته عدة مرات بدءًا من يوم 10 أبريل/نيسان 2108 وإلى غاية كتابة هذا التقرير. ولعل أكثر الشائعات صخبًا، تلك الوثيقة المزورة التي تم تداولها على نطاق واسع في صفحات التواصل الاجتماعي الليبية والتي تحمل ختم مجلس النواب بطبرق، وتنص على تكليف رئيس البرلمان، المستشار عقيلة صالح، للحاكم العسكري، الفريق عبد الرزاق الناظوري، بتسيير مهام القائد العام للقوات المسلحة بشرق ليبيا خلفًا للمشير، خليفة حفتر. وسارع مجلس النواب بطبرق على لسان الناطق الرسمي باسمه، عبد الله بليحق، بعد ساعات على نشر الوثيقة إلى تكذيب الخبر في بيان وُزِّع على وكالات الأنباء. وبالتوالي، قام المستشار عقيلة صالح، بالإدلاء بتصريح مطول، أكد فيه أنه يتواصل باستمرار مع المشير وأنه يُطمئن الشعب الليبي أن المؤسسة العسكرية ستظل صمام الأمان، وحذَّر من الشائعات والفتن.

محطات في حياة خليفة حفتر

وُلِد خليفة بلقاسم حفتر في مدينة إجدابيا (الشرق الليبي) عام 1943، ودرس بها الابتدائية والإعدادية، ثم انتقل إلى ثانوية درنة في الأعوام 1961-1964، والتحق بالكلية العسكرية الملكية في بنغازي في منتصف سبتمبر/أيلول 1964. وتخرج عام 1966 كملازم ثان بسلاح المدفعية بالمرج، وبعد سنتين تم استقطابه في الخلايا العسكرية السرية التي أطاحت بالنظام الملكي عام 1969 بقيادة معمر القذافي.

في مطلع السبعينات، تلقى العديد من الدورات العسكرية، كان معظمها في روسيا.

عُيِّن قائدًا للجيش الليبي في الحرب الليبية-التشادية العام 1980، التي حقق فيها الجيش الليبي انتصارات كاسحة في السنوات الأولى نظرًا لفارق التسليح، إلا أن التدخل الفرنسي لصالح الرئيس التشادي آنذاك، حسين حبري، أفضى إلى هزيمة مذلة للقوات الليبية في سلسلة من المعارك الفاصلة بدأت بمعركة فادا في الثامن من يناير/كانون الثاني 1987، وانتهاءً بمعركة بردي بمحيط أوزو في 21 أغسطس/آب 1987. تم في هذه المعارك قتل آلاف الجنود الليبيين وأسر المئات، أشرس هذه المعارك ما تم في معركة وادي الدوم 22 مارس/آذار 1987، التي قُتل فيها 1269 جنديًّا ليبيًّا، وتم أسر 438 جنديًّا وضابطًا ليبيًّا كان من ضمنهم العقيد خليفة حفتر.

في الأسر، انشق خليفة حفتر أواخر العام 1987 ومجموعة من الضباط وضباط صف والجنود والمجندين على معمر القذافي وانخرطوا في صفوف الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا (أبرز الفصائل المعارضة لنظام القذافي).

في 21 يونيو/حزيران 1988، شكَّل حفتر الجيش الوطني الليبي كذراع عسكرية لجبهة الإنقاذ.

مع وصول الرئيس إدريس دبي لسدة الحكم، تم ترحيل حفتر والمعارضة الليبية بتشاد إلى الولايات المتحدة التي مكث بها 20 عامًا.

مع اندلاع أحداث فبراير/شباط 2011 في ليبيا، رجع إلى المنطقة الشرقية في ليبيا.

أطلق عملية الكرامة في منتصف مايو/أيار 2014 بمدينة بنغازي شرق ليبيا، تلك العملية التي عملت على إخراج التنظيمات الجهادية المتطرفة بعد ثلاث سنوات من المقارعة، بعد أن أحكمت تلك التنظيمات سيطرتها على بنغازي وأجزاء كثيرة من الشرق منذ أواخر العام 2011.

تعيين مجلس النواب الليبي في طبرق، في سنة 2015، خليفة حفتر في منصب القائد العام للقوات المسلحة الليبية، في حين يحتفظ رئيس المجلس النيابي، المستشار عقيلة صالح، بمنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

مآلات الأوضاع الليبية في حالة غياب حفتر موتًا أو عجزًا

ينحدر خليفة حفتر من قبيلة الفرجان، إحدى القبائل الليبية الكبيرة التي تنتشر في معظم مناطق ليبيا ويتركز غالبية أفرادها تاريخيًّا في مدن أربع، هي: ترهونة (88 كم إلى الجنوب الشرقي من طرابلس)، وسرت، وإجدابيا (155 كم جنوب بنغازي)، ومدينة بنغازي.

خليفة حفتر شخصية جدلية بامتياز، حيث لا يحظى بإجماع داخل ليبيا، فمؤيدوه يبالغون في الرفع من شأنه (عقلية الزعيم المخلِّص)، في حين يبالغ خصومه في شيطنته حدَّ اتهامه بالعمالة الصريحة للاستخبارات الأجنبية. إلا أنه من الواضح أن الرجل الباحث عن فرصة وسط المشهد الليبي طيلة السنوات 2011–2014، والتي تم فيها تجاهله من جميع الفاعلين والمتصدرين للمشهد الليبي، استطاع في بحر ثلاث سنوات أن يغدو رقمًا صعبًا في المعادلة الليبية وأن يصبح رجل ليبيا القوي الذي لا يمكن تجاهله. لقد أحكم حفتر سيطرته على الشرق الليبي الذي يحظى فيه بشعبية كاسحة، رغم أنها بدأت تتآكل مع مطلع العام 2018 جرَّاء صراع الأجنحة داخل معسكره فضلًا عن عمليات الفساد التي انخرط فيها أبناؤه والمقربون منه.

وبغضِّ النظر عن السجال الدائر حاليًّا حول صحة المشير خليفة حفتر بين شريحة كبيرة من الليبيين سواء المؤيدون أو المناوئون له، فقد بات شبه مؤكد أنه مريض، وأن وضعه الصحي لا يزال حرجًا رغم أنه تجاوز مرحلة الخطر. فقد تواصل معه عبر الهاتف خلال اليومين الأخيرين عدة شخصيات في ليبيا من معسكره ومن خارجه، أبرزهم الاتصال الذي أجراه المبعوث الأممي، غسان سلامة، مع المشير حفتر في مشفاه في باريس والذي أوردته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تغريدة على صفحتها على تويتر. وبناءً على الوضع الصحي الحالي لحفتر، فإنه من المستبعد أن يواصل مهامه لأشهر بل ربما لسنوات قادمة، هذا إذا وضعنا في الحسبان أنه يبلغ من العمر 75 عامًا، وأنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لوعكة صحية تقعده، حيث يقول مقربون منه إنه مرَّ بثلاث وعكات صحية خلال العامين الماضيين، وإن معظم زياراته الدورية للأردن هي لإجراء الفحوصات الطبية والاطمئنان على صحته، فإنه حتى في حالة تعافيه هذه المرة، فإن قيادته لقوات الكرامة لن تكون بذات الكفاءة كما كانت قبل مرضه. من هنا، ووفقًا للمؤشرات فإننا نرى أن المآلات الأكثر ترجيحًا في قادم الأيام في ليبيا، هي:

  1. إحداث تغييرات جذرية في صفوف قوات الكرامة: في حالة تعافي المشير حفتر وعودته المرتقبة في غضون أسابيع قليلة لممارسة مهامه، فمما لا شك فيه أنه سيُجري تغييرات جذرية داخل صفوف الجيش الوطني الليبي (قوات الكرامة)، لضمان استمرار تماسك هذه القوات، التي رغم أن أكثر من نصف منتسبيها هم جنود وضباط صف وضباط سابقون في الجيش الليبي إبَّان حقبة النظام السابق، إلا أن هذه القوات مكونة أيضًا من متطوعين ومقاتلين تلقوا تدريبات سريعة ولا يملكون أرقامًا تسلسلية في الجيش الليبي، مما يجعل هذه القوات أقرب إلى الميليشيا منها إلى وحدات جيش نظامي يتسم بالانضباط الشديد، حيث إن التسلسل الهرمي للقيادة شكلي، وتحديدًا بين صفوف قادة المحاور ووحداتهم التي تشكِّل عماد هذه القوة.

وقد لوحظ مؤخرًا وخلال الأسبوع الثاني من شهر أبريل/نيسان 2018 زيارات ومشاورات مكثفة بين أبوظبي والقاهرة، بخصوص التطورات في ليبيا وللتحضير لما بعد حفتر، أبرز حلفائهما في ليبيا. وتذهب بعض القراءات إلى أن الإمارات ومصر تدفعان منذ فترة باتجاه أمرين بخصوص القوات الليبية بشرق ليبيا:

استحداث منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة، يتولى تلقائيًّا مهام القائد العام في حالة غياب الأخير أو عجزه عن أداء مهامه، ومن المنطقي أن مرض حفتر الأخير سيجعل هذا الاقتراح متقبلًا لدى قادة معسكر الكرامة ومجلس النواب، بعد أن قوبل هذا الاقتراح برفض كامل في الفترة الماضية.

تسعى الإمارات، التي تربطها علاقات متشابكة ومتداخلة مع قادة قوات الكرامة، إلى البحث عن بديل عن حفتر منذ أشهر، وفي هذا السياق فإن الاتصالات التي زادت وتيرتها بين الإماراتيين و(الحاكم العسكري)، الفريق عبد الرزاق الناظوري، خلال الأشهر الأخيرة، تندرج في هذا السياق، لاسيما أن الناظوري، الشخصية الثانية في فريق الكرامة، لا يقل خبرة وحنكة عن حفتر، إلا أن الأول ليست لديه تطلعات أو طموحات سياسية عكس حفتر.

  1. الغياب بسبب الوفاة أو العجز عن أداء المهام: سيسعى قادة الجيش الوطني الليبي (قوات الكرامة)، إلى تعيين خَلَف للمشير حفتر، فإن كانت قواعد الأقدمية تُملي أن تسند هذه المهمة إلى الفريق الناظوري، إلا أن معلوماتنا حول طبيعة العلاقات وقوى النفوذ داخل فريق الكرامة، تجعلنا نميل بأن حظوظ الخلافة ستنحصر بين اثنين، هما:

اللواء عبد السلام الحاسي (آمر غرفة عمليات الكرامة).

العميد عون الفرجاني (مدير مكتب القائد العام).

ونتوقع أن يتم الاتفاق على عبد السلام الحاسي، لمكانته العسكرية داخل صفوف قوات الكرامة من جهة، ولكونه من إحدى القبائل الكبيرة ذات الثقل الاجتماعي بالشرق الليبي من جهة أخرى. بينما نرى أن الطبيعة المتوجسة لرجل الاستخبارات الليبية، عون الفرجاني، ابن عم المشير حفتر ومدير مكتبه، قد تقلِّل من حظوظ اختياره لخلافة حفتر في حالة غيابه أو عجزه عن أداء مهامه.

  1. اندلاع صراع أجنحة داخل قوات الكرامة: هذا الأمر بعيد الاحتمال لكنه غير مستبعد، فتركيز السلطات والنفوذ داخل دائرة ضيقة عمادها العائلة والأقارب والمقربون، يجعله مستبعدًا، لكن هشاشة التحالفات وكم التناقضات التي تمور داخل معسكر فريق الكرامة، التي كان يغطي عليها الحضور الكاريزمي لشخصية المشير حفتر، يجعل هذا الأمر واردًا وغير مستبعد.
  2. تفجر الخلافات المقموعة: شهدت قوات الكرامة خلال سنواتها الثلاثة الماضية انشقاق العديد من قادتها أبرزهم آمر كتيبة 204 دبابات، المهدي البرغثي، والقيادي السابق في قوات الكرامة وآمر محور الصابري، فرج البرعصي، والناطق السابق باسمها، محمد الحجازي، وآمر جهاز مكافحة الإرهاب، فرج أقعيم. معظم هؤلاء من قبائل كبيرة في الشرق الليبي، وتعيش تذمرًا داخلها، لا شك أن غياب حفتر أو عجزه عن ممارسة مهامه سيفتح شهية هؤلاء للمعارضة الصريحة وقد يصل الأمر إلى تصعيد مسلح محدود يفضي إلى تسويات تؤدي إلى تقاسم النفوذ في منطقة الشرق، هذا فضلًا عن أن حجم المظالم والقمع الذي مورس بحق المعارضين لمشروع الكرامة في الشرق، قد أوغر الصدور كثيرًا، وظل من المسكوت عنه، إلا أن غياب حفتر أو عجزه عن أداء مهامه قد يعجِّل من ظهور هذه التناقضات ويفجر الخلافات المقموعة.

وسواءً عاد حفتر لممارسة مهامه بشكل جزئي أو عجز عن أداء مهامه، فإن الجيش الوطني الليبي (قوات الكرامة) لن يكون هو ذاته بعد حفتر لأسباب موضوعية أبرزها أن هذه القوات كانت تتمحور حول شخصيته، وقد حرص على تفصيلها على مقاسه عبر مركزية شديدة التكثيف، بدواع أمنية وجيهة لمنع الاختراق أو النفوذ إلى أسرارها. وطيلة السنوات الثلاث الماضية، وقف حفتر في وجه التسوية السياسية التي تمخضت عن اتفاق الصخيرات في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015، وكان يرى في نفسه الحاكم القادم لليبيا، لذا تحضَّر كثيرًا لدخول طرابلس عسكريًّا، وحين عجز عن ذلك بشتى السبل، مدَّ أذرعه إلى الجنوب الذي أصبح له فيه نفوذ قوي عبر تحالفه مع ميليشيات التبو والمقارحة وجزء من الطوارق، ونجح حفتر في شرق ليبيا فيما فشل فيه قادة الغرب الليبي؛ حيث:

حرَّر المثلث النفطي (حيث ثلثا نفط ليبيا) من ميليشيات إبراهيم الجضران، في خريف 2016، وسلَّمها بسلاسة إلى المؤسسة الوطنية للنفط، في خطوة فاجأت الجميع!

عمل على جعل جبهة الشرق الليبي في تكتل واحد اتسم بقدر عال من التماسك ووحدة التوجه مما قوَّى وعزز من الموقف التفاوضي لذلك التكتل، عَكْسَ الغرب الذي انقسم إلى عشرات التكتلات والتوجهات والتحالفات المتصارعة فيما بينها، مما أضعف من موقفها التفاوضي، وعزَّز الشرخ والانقسام فيما بينها.

كسب ثقة القوى الخارجية المعنية بالحرب على الإرهاب، عندما جعلها هدفه المعلن الوحيد، وقد نجح في تحرير بنغازي من سيطرة الجهاديين المتطرفين (مجلس شورى بنغازي وأنصار الشريعة)، ويمكن القول: إنه باستثناء درنة (التي يتحضر الجيش الوطني لاقتحامها منذ أسابيع)، لم يعد للجهاديين مكان في الشرق الليبي، عكس قوات فجر ليبيا في الغرب التي وإن نجحت في القضاء على تنظيم الدولة في معقله في سرت أواخر العام 2016، إلا الغرب الليبي لا يزال مرتعًا لخلايا هذا التنظيم لا تحظى بحرب حقيقية وجادة من قبل حكومة أو ميليشيات الغرب الليبي، رغم الحملات التي تُشَنُّ بين الفينة والأخرى لدواع دعائية.

بات الخيار الفبرايري الأقرب إلى معتدلي أنصار النظام السابق، لأنه شكَّل بالنسبة إليهم حالة وسطية بين سبتمبر/أيلول وفبراير/شباط. بهذا، كسب إلى جانبه آلاف الأنصار من هذه الشريحة مدنيين وعسكريين، بل تجاوز الأمر إلى قيادات بارزة من الصف الأول في نظام الرئيس الليبي الراحل، معمر القذافي.

غياب حفتر أو عجزه عن أداء مهامه سيعمل على إبعاد الجيش الوطني الليبي (قوات الكرامة) عن التدافع السياسي، الذي كان يقوده إليه طموح حفتر السياسي، وسيفسح المجال لزعامات ليبية من الشرق الليبي لتتصدر واجهة المشهد السياسي الليبي، بعد أن كان الحضور الطاغي والكاسح لحفتر يحجب عنها الأنظار، وسيعزز هذا الأمر من حظوظها في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. ولاسيما في سباق الرئاسيات القادم. وسيتأثر كثيرًا حلفاء حفتر في الغرب الليبي بغيابه عكس حلفائه في الجنوب الليبي الذين لن يتأثروا كثيرًا بغيابه، لأن مكانتهم ونفوذهم تعزز بشكل ذاتي في مناطقهم قبل التحالف مع حفتر الذي بفضلهم أصبح له نفوذ بالجنوب.

إقليميًّا، لن يتأثر نفوذ كل من مصر والإمارات في الشرق الليبي وداخل صفوف قوات الكرامة نظرًا لتعدد علاقاتهما داخل صفوف قادة هذه القوات، لكن روسيا حتمًا ستخسر حليفًا استراتيجيًّا عوَّلت عليه كثيرًا أن يكون رأس حربة نفوذها الجديد في ليبيا ما بعد القذافي.

في حالة غياب حفتر وتفجر الخلافات المقموعة للمناوئين لحفتر في الشرق الليبي أو من قبل المنشقين عن قوات الكرامة، سيشكِّل هذا فرصة سانحة لتنظيم الدولة والقاعدة للعودة من جديد إلى الشرق الليبي، في ظل حالة الفوضى والاقتتال التي قد تنجم عن غياب حفتر، وستعاود ميليشيا الجضران محاولة العودة إلى الهلال النفطي، وسينعكس هذا على الميليشيات الموجودة في الغرب والجنوب الليبيين. هذا الأمر، إن حدث، سينسف الجهود الأممية التي قطعت أشواطًا بعيدة في سبيل إيجاد تسوية سياسية توافقية مقبولة في ليبيا والمصالحة الوطنية والتمهيد للانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية في ليبيا، وسيعيد هذا الأمر ليبيا إلى المربع الأول، في موجة عنف جديدة، تتكرر دوريًّا في ليبيا المنكوبة بلعنة النفط والجغرافيا.

مركز الجزيرة للدراسات

التدوينة مآلات الوضع بليبيا ما بعد حفتر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “مآلات الوضع بليبيا ما بعد حفتر”

إرسال تعليق