طرابلس اليوم

الاثنين، 29 أكتوبر 2018

تعديل الرئاسي.. تيه المسارات ومطبّ المادة الثامنة

,

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

 

لا يوجد خلاف على ضرورة توحيد السلطة التنفيذية خاصة وأن إجراء الانتخابات يتطلب توحيدها لتكون العملية الانتخابية أكثر دقة وشفافية ونتائجها أبعد ما يكون عن الطعن والتشكيك، أيضاً فإن توحيد السلطة التنفيذية من الناحية النظرية لا يمكن إلا من خلال توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على تعديل المجلس الرئاسي وإعادة هيكلته.

 

اشتباكات طرابلس الأخيرة والهجوم الكبير الذي شنّه غسان سلامة على المجلسين ووصفه لأعضائهما بالحرص على البقاء في كراسيّهم أطول فترة ممكنة، وتلويحه بتجاوزهما إن أصرّا على نهج التعنّت وعدم الإيفاء باستحقاقاتهما، هذه الأمور دفعت مجلسي النواب والأعلى للدولة إلى التحرك وتفعيل لجنتي الحوار مرة أخرى بخصوص تعديل السلطة التنفيذية (المجلس الرئاسي) وإعادة هيكلته ليتكون من رئيس ونائبين، وتعيين رئيس وزراء يكون هو المسؤول الأول عن الحكومة، البعثة الأممية رحبت بالتقارب بين المجلسين وإن لم تتحمس لهذه المساعي، بل تركت المجال متاحاً أمامهما مؤكدةً على أنها ستدعم أي اتفاق يتوصل إليه الفريقين ولن تتمسك بأي شخوص، ومع لك استمرّت في جهودها بخصوص استكمال الترتيبات الأمنية والانتهاء من برنامج الإصلاحات الاقتصادية.

 

عدم تحمّس البعثة الأممية لمساعي المجلسين في تعديل المجلس الرئاسي جاء نتيجة لإدراكها صعوبة حدوث توافق بينهما، وهو ما حدث فعلاً إذ اشترط مجلس النواب –كعادته- حذف المادة الثامنة من الأحكام الإضافية لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، وهو ما عاد بحوار المجلسين إلى نقطة الصفر.

 

المادة الثامنة تنص على نقل صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية إلى رئاسة مجلس الوزراء إلى حين اتخاذ قرار بشأن شاغليها خلال مدة لا تتجاوز (20) يوماً، أو اتخاذ قرارات بتعيين جدد في مدة لا تتجاوز (30) يوماً في حال تعذر الأمر الأول، وهذه المادة بصياغتها الحالية تجعل مصير كل من يشغل منصباً عسكريا في يد السلطة التنفيذية المنبثقة عن الاتفاق السياسي وهو ما لا يعجب تيار الكرامة في مجلس النواب الذي يريد إبقاء خليفة حفتر في منصبه مع صلاحيات واسعة وشبه مطلقة، وهو ما يجعل أي محاولة لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري تبوء بالفشل.

 

المجلس الأعلى للدولة وثلة من النواب أغلبيتهم من المنطقة الغربية في محاولة جديدة لتعديل الرئاسي وتضمين الاتفاق السياسي دستورياً خرجوا بنهج فصل المسارات عن بعضها (يقصدون به المسار السياسي والعسكري)، وتأجيل الخوض في المادة الثامنة إلى حين تعديل الرئاسي، ورغم أن هذه المبادرة تحاول استرضاء تيار الأزمة والتعنت العريض داخل مجلس النواب إلا أنها أقرب للفشل من النجاح لعدة اعتبارات من أهمها:

 

نهج فصل المسارات هو محاولة التفاف على المادة الثامنة وهروب بالمشكلة إلى الأمام، فالقضية ليست قضية مسار سياسي ومسار عسكري، بل القضية هو تعديل السلطة التنفيذية دون إنقاصها شيئاً من صلاحياتها، كما أن فصل المؤسسة العسكرية عن السلطة التنفيذية هو إهدار لمبدأ خضوع المؤسسة العسكرية للسلطة المدنية، وإعطائها الحق بأن تكون سلطة موازية للسلطة التنفيذية، والتحجج بأن هناك مساعٍ في القاهرة لتوحيد المؤسسة العسكرية هو تحجج واهٍ ولا قيمة له، خاصة وأن هذه المساعي حظوظها في النجاح ضئيلة لعدم حياد الوسيط المصري ولإصرارها هي الأخرى على ربط المؤسسة العسكرية بشخص قائد عملية الكرامة خليفة حفتر.

 

مجلس النواب نفسه لا يولي أهمية كبيرة لمساعي فريق حواره من أجل تعديل المجلس الرئاسي، وتصريحات رئيس مجلس النواب عقيلة صالح تؤكد ذلك، حيث دعا إلى إجراء انتخابات رئاسية كحل للأزمة، وهو بذلك يرسل رسالة مفادها أنه لن يدعم مساعي تعديل المجلس الرئاسي مما قد يؤدي إلى إفشال أي جلسة بالخصوص.

 

على فرض توافق المجلسين على تعديل المجلس الرئاسي، فهل سيتم تضمين الاتفاق السياسي دستورياً، وما مصير المادة الثامنة عندئذٍ، وما هي الضمانات التي سيطالب بها المجلس الأعلى للدولة لصون مدنية السلطة التنفيذية من تغول المؤسسة العسكرية؟

 

وعلى فرض التوافق على تعديل المجلس الرئاسي والتوصل إلى صيغة مُرضية للطرفين فيما يتعلق بالمادة الثامنة، هل سيعترف قائد عملية الكرامة بالمجلس الرئاسي الجديد وهو الذي يصر على أنه لن يخضع لأي سلطة مدنية غير منتخبة؟

 

إن هذه المحاولة لن تعدوَ كونه محاولة فاشلة أخرى لكسر جدار التعنت الصلد الذي يهيمن على مجلس النواب ويقتات على حالة الانقسام والتشظي التي يسعى جاهداً في استمرارها ليبقى في السلطة أطول أمدٍ ممكن.

 

وأعتقد أن استمرار جهود البعثة اليوم في دعم المجلس الرئاسي لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والترتيبات الأمنية هو أقصى الممكن، ولعل مؤتمر باليرمو يحمل في جعبته آلية لتجاوز حالة الجمود ومن يتسبب بها.

التدوينة تعديل الرئاسي.. تيه المسارات ومطبّ المادة الثامنة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تعديل الرئاسي.. تيه المسارات ومطبّ المادة الثامنة”

إرسال تعليق