طرابلس اليوم

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

بين منطقي السلام والحرب

,

إسماعيل القريتلي/ كاتب وصحفي ليبي

 

الاعتراف بدوافع ومبررات الحروب الأهلية في ليبيا التي اندلعت في 2011 و2014 وما بينهما وما بعدهما من معارك هنا وهناك يمثل بداية جوهرية لإرساء السلام في ليبيا، فالسلام الدائم لا يترتب عن إنكار تلك الحروب ونتائجها، وكذلك دون إقصاء لأي مكون منتصرا كان أم مهزوما.

 

هناك فرق بين التزام المثقف بطرح تصورات معرفية أساسها التعقل والتفكر المستند إلى علوية القيم، وبين عملياتية المصلح الذي يحاول تحقيق أعلى نسبة من فكر المثقف في الواقع الذي يشترط تنازلات موضوعية تمكن من تحديد لحظة بدء عملية لإرساء السلام، وقد تكون اللحظة تلك هي الاعتراف بالخصوم.

 

عكس الاعتراف هو الادعاء الذي يقع فيه ويصر عليه بعض دعاة السلام بعدم تنبههم أن تحديد لحظة بدء إرساء السلام ليست بفرض تصوراتهم عن الدولة ونظام الحكم وهيكل الإدارة فيها ومنح بعض الخصوم صلاحيات وحقوق ضد خصومهم استناد لشرعية يدعونها لهم.

 

لذلك نجد عديد دعاة السلام بصدق يقعون دون تنبه في تعطيل إرساء السلام في الواقع بسبب تمسكهم بهيكل السلطة المصطنع غير المؤثر حقيقة في الواقع المأزوم سوى قدرته على حث أطراف جديدة للدخول إلى ساحة الاحتراب الأهلي.

 

أقترح على دعاة السلام الصادقين الواقعين في إشكالية التمسك بتصور سلام صنع ببقايا بارود الحروب الداخلية أن يطلعوا على تجربة السلام الأمريكي بعد الحرب الأهلية التي من نتائجها وثيقة الدستور الأمريكي.

 

أخيرا، أكرر أن للسلام منطقه أساسها الاعتراف، كما للحرب منطقها أساسه فرض التصورات، فلا يخلط دعاة السلام بين المنطقين فيختلط في أيديهم فتيل الحرب وحبل الود فقد يشدون الأول وهم يقصدون الثاني.

تقديرات

1- في تقديري استقرت دوائر حكم ليبيا تمثلها دوائر: السياسيون، الأمنيون والعسكريون (بينهم الكتائب المسلحة)، وأهل الخطاب، والأعيان، ورجال المال، وتسيطر هذا الدوائر على القرار والمال والحواضن الاجتماعية، طبعا هي غير متفقة وتتنازع النفوذ والسيطرة، وربما من أسس معالجة الأزمة اعترافهم ببعضهم ودخولهم في مفاوضات.

 

2- أظن أن مساعي حل مشكل ⁧ليبيا⁩ دون الاعتراف ببنية ⁧الحكم⁩ الجديدة يطيل أمد التنازع بين دوائر الحكم الخمسة، وربما هذا يفسر عدم تمكن ⁧الأمم المتحدة⁩ من توصيل الليبيين إلى الحل، فاقتراح ⁧الانتخابات⁩ كأداة لإقصاء دوائر الحكم الخمسة أو بعض مكوناتها أرجح أنه سيقود لعكس ذلك، إذ سيفوز أولئك دون وقف التنازع⁩.

 

3- أفترض أيضا أن مركبات المشكل الليبي تتوزع بين دوائر الحكم المتصارعة سياسيا واجتماعيا وجهويا. وهذا يدفع إلى البحث عن منطق واقعي موضوعي ثم آليات تقنع دوائر ⁧الحكم⁩ تلك⁩ للاعتراف المتبادل كخصوم، ثم يقبلون الجلوس للتفاوض بشأن كل قضايا ⁧الاختلاف⁩.

 

‏4- بالتأكيد أن هناك دورا خارجيا يعزز فرص استمرار الصراع في ⁧ليبيا⁩، غير أن دورا يمكن أن تلتزمه ⁧الأمم المتحدة⁩ للتخفيف من أثار الدور الخارجي السلبي، مع الأخذ في الحسبان أن الأطراف الخارجية يمكن أن تبحث عن مصالحها من خلال حلفائها الليييين، فلا أخال إمكانية الفصل بينهم أو ترجيح طرف على آخر.

 

‏5- جلوس تلك الدوائر معا برعاية أممية وتوافق دولي (بما ذلك مصالح الخارج) يُمكّنهم من فتح كل قضايا ⁧الخلاف⁩ ومحركات ⁧الصراع⁩، ومن المحتمل أن يصلوا إلى إطار للاتفاق يعكس حقائق الواقع وأبعاده التاريخية. تجربة السنوات السبعة ترجح فشل الحلول التي تحاول تجاوز دوائر ⁧الحكم⁩.

 

‏6- أخيرا، لا أظن أن ⁧الدستور⁩ والانتخابات⁩ في ظل واقع ⁧ليبيا⁩ يمكن أن ينتجا حلا، لأنهما مراحل تالية لاتفاق دوائر الحكم، كما أستبعد في وجهة نظري أن يمثل ⁧الاتفاق⁩ السياسي منطلقا للحل وربما تشير السنوات الثلاثة تقريبا منذ توقيعه إلى عجزه عن وقف الصراع وإنهاء الانقسام بين تلك الدوائر.

 

التدوينة بين منطقي السلام والحرب ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بين منطقي السلام والحرب”

إرسال تعليق