طرابلس اليوم

الثلاثاء، 23 أكتوبر 2018

باليرمو وتعزيز مساري الصخيرات الاقتصادي والأمني

,

صلاح الشلوي/ كاتب ومحلل سياسي ليبي

 

لا يمكن لعاقل أن يفهم أن من بعد كل اجتماع للدول الداعمة لاتفاق الصخيرات أن هناك تدشين لعملية سياسية جديدة مبتوتة الصلة بما قبلها وما بعدها.

 

باليرمو في صرة صقلية ليست سوى حلقة من حلقات تتابعت منذ التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق الصخيرات 2015، تعني بشكل مركز بمسارين من مخرجاته لا ثالث لهما، المسار الاقتصادي( مصير المعالجات الاقتصادية) والمسار الأمني( الترتيبات الأمنية)، أما حكاية انقشاع ضباب وفضح مستور وكشف عن ساق جديدة غير ساق الصخيرات فهو مجرد تعبير لفظي بلاغي عن حالة استبداد الحيرة و(ذهاب الشيرة) بعقول من يتصورن أن المجتمع الدولي ليس له من هم ولا صنعة يقوم بها صباح كل اثنين سوى فتح الملف الليبي وإطلاق عملية سياسية جديدة ولاعبين جدد.

 

ما يظنه البعض أنه تغيير في توجهات المجتمع الدولي بخصوص ليبيا قلناه عشية جنيف (1) وجنيف (2) قبل أن يصل الأمر حتى لطور التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق الصخيرات، والذي كان ملخصه أن الحل السياسي لا يعبر عن انتصار طرف على طرف، وكل الاعتبارات التي وضعت سواء في ديباجته أو مبادئه الحاكمة أو أدرجت في تفاصيل بنود مواده أو نص عليها في أحكامه الختامية أو الإضافية أو أكد عليها بتفاصيل ملاحقه، لا يعتبر طرف من الأطراف يملك أي شرعية مسبقة عن شرعية الاتفاق السياسي، وأن كل الأجسام المنبثقة عنه لا تستمد شرعيتها إلا من بنود الاتفاق السياسي.

 

أما بخصوص المشير خليفة حفتر الذي شغل الرأي العام بحروبه الشخصية منتهية الصلاحية فلن يحكم ليبيا بالقوة، والتفكير في ذلك لا يتجاوز حد المراهقة المرهقة لكاهل المجتمع الليبي فقط، الذي دفع فاتورة باهظة الكلفة من دماء أبنائه في معارك ظاهرها محاربة الإرهاب وباطنها السعي لحكم العائلة، وهو مع ذلك كله جزء من الصراع وليس طرف منتصر كي يتحكم في مخرجات العملية السياسية بأي حال من الأحوال، وأن الدعم الإقليمي الذي يتلقاه سيتوقف بالضرورة، بل ويتحول إلى وسيلة ضغط عليه للرضوخ لمخرجات الحوار الليبي في الصخيرات، وأن الأطراف التي تعطل الاتفاق السياسي سوف توضع على طاولة مجلس الأمن لتحويلها إلى البوليس الدولي (الإنتربول) وجلبها إلى محكمة الجنايات الدولية، منها شخصيات عسكرية ترتكب جرائم ضد حرب ضد البشرية، ومنها شخصيات مدنية تمارس التهجير ضد السكان المحليين في تاورغا وكلكة وبنغازي وورشفانة، ومنها شخصيات دينية تصدر خطاب كراهية وتحريض على العنف والإصرار على إشعال حروب مقدسة باسم الرب، ومنها شخصيات ومؤسسات إعلامية تحرض على العنف والكراهية وتذكي نار الاحتراب بين أبناء المجتمع الليبي، ومنها شخصيات سياسية تعرقل تنفيذ الاتفاق السياسي، ومنها مليشيات جهوية وما تسمى نفسها بأولياء الدم، وأخرى إيديولوجية تمارس الخطف والإخفاء القسري والإرهاب والابتزازعلى أسس أيديولوجية متشددة، وأن مؤسسة الدولة الليبية لن يقبل منها أي قدر من التطبيع مع هذه التشكيلات التي سيؤول أمرها إلى تصنيفها تشكيلات خارجة عن القانون إن هي استمرت في تهديد مؤسسات الدولة والمواطنين.

 

ماذا حدث؟

 

الذي جرى هو استمرار بعض أطراف النزاع المحلية في الاستطراد ومزيد من الاستهتار بالمجتمع الدولي والاستخفاف به وبالبيئة القانونية الدولية اليوم، ولذلك استمرت في مواقفها المتعنتة و الرافضة والمعرقلة للاتفاق السياسي، ظننا منه أنها بذلك ستحقق مكاسب وتنازلات لصالحها، لا لشيء إلا لأنه يقال لها أن المجتمع الدولي لا يعترف إلا بالقوى !، وأطراف إقليمية  تذرعت بوجود إرهابيين أجانب في درنة وفعلا ثبت أن هناك إرهابيين في درنة وانتهى الأمر وانقطعت الذريعة، ولكن تغييرا لم يطرأ على موقف المجتمع الدولي الداعم بشكل ثابت للاستقرار في ليبيا، واعتبار اتفاق الصخيرات هو الإطار المرجعي السياسي الوحيد الممكن الآن للوصول إلى محطة الإستفتاء على الدستور، والانتخابات التشريعية والرئاسية العامة في البلاد وإنهاء حالة الإستثناء.

 

عبر مسار الصخيرات بكل تأكيد ستتغير خرائط تحالفات وإحداثيات مواقع اللاعبين كل بحسب قدرته على التكيف المرن، والفهم العميق لهموم المجتمع المحلي والإقليمي وخاصة في حوض البحر الأبيض المتوسط والمجتمع الدولي،  معاندة كل ذلك محليا وإقليميا ودوليا لا يوفر فرص تذكر للبقاء والاستمرار والتأثير.

 

وهنا الكلام عن الواقعية السياسية والقفز على حاجز المثالية الحالمة بالزانة عاليا وتحمل ألم السقوط بل ودفع كلفة القفزة الخطأ إلى الفراغ السحيق.

 

وفي أثناء الكشف عن مخرجات صقلية القادمة بهذا الشكل لا تثريب على من شرقوا وغربوا في فهم هكذا مسارات داعمة لاتفاق الصخيرات الذي يشعرون بأن لهم مواقف شخصية تجاهه، وربما تمنوا فشله وسقوطه وانهيار العملية السياسية برمتها كي يجلسوا في تكايا مقاهي ذات السواري ليرفعوا عقائرهم بالقول” ألم نقل لكم أن الله لا يبارك في الصخيرات وأنها لعنة فرعونية ” وليمارسوا هواية إدعاء الحكمة بتواريخ رجعية كالعادة.

التدوينة باليرمو وتعزيز مساري الصخيرات الاقتصادي والأمني ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “باليرمو وتعزيز مساري الصخيرات الاقتصادي والأمني”

إرسال تعليق