طرابلس اليوم

الخميس، 27 ديسمبر 2018

الفوضى في واقعنا

,

صلاح الشلوي/ كاتب ليبي

 

فوضى التشدد الديني، وفوضى الغلو والتطرف، وفوضى الاحتراب والانقلابات والعسكرة، وفوضى التسلل العربي الإقليمي، تختلف جميعها في كل التفاصيل وعلى كل الأوجه، بحيث يصعب أن تجد لهم ما يمكن أن يطلق عليه المشترك التعايشي الواحد الممكن، وتتحارب جميعها فلا يحتاجون لإشعال حرب لسبب ولا منطق، ولكنها تتفق تماما وإلى أبعد حدود الاتفاق على ضرب الاستقرار وخلخلة كل أسس ومرتكزات توازانات قوى المجتمع، وإرباك جميع معادلات فواعله، وتشتيت العقل الجمعي في متاهات غموض البواعث وضبابية النتائج، وعندما جاء الرديف الدولي لمد يد العون هجموا على دوافعه بالشيطنة والتشكيك الصبياني حتى حار عقلاء المجتمع في فهم حقيقة الدعم الذي قدمه المجتمع الدولي في محطات ثلاثة: القرار (289) لسنة 1949 الذي منح ليبيا استقلالها، ومحطة القرار مجلس الأمن (1971) لعام  2011 الذي يقضي بفرض منطقة حظر جوي، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين، ثم قرار مجلس الأمن ( 2259 ) لعام 2015م الداعم لاتفاق الصخيرات واعتباره الإطار الوحيد لإنهاء الأزمة السياسية فى ليبيا، وما تبع ذلك من قرارات منع توريد الأسلحة لأطراف الصراع المسلح في ليبيا في الشرق والغرب والجنوب، كجزء من استراتيجية احتواء الصراعات المسلحة، ومواقف الدول الكبرى المستمرة والثابتة من خلال بياناتها وسلسلة مؤتمرات في دعم الاتفاق، وأخيرا دخول العقوبات الدولية على خط دعم الاستقرار وردع المعرقلين من كل أطراف الصراع الدامي كخطوة رادعة مرشحة للتصعيد والتنفيذ.

 

سواء الهجوم الإرهابي الأخير على مقر وزارة الخارجية بزاوية الدهماني بالعاصمة طرابلس أو الهجوم الإرهابي الذي شنته ما يعرف بمليشيات اللواء السابع ومليشيا لواء الصمود على العاصمة في شهر سبتمبر الماضى وتسبب في قتل المدنيين من سكان العاصمة وهدم بيوتهم وتخريب المؤسسات العامة، كلها تستهدف ضرب استقرار العاصمة، حتى لو اختلفت بياناتهم سواء المليشيا التي هاجمت مقر الخارجية أو المليشيات التي هاجمت العاصمة كلها.

 

المجتمع ومتلازمة الفوضى

 

سيظل هناك من أفراد المجتمع من سيعتبر قدوم الدولة وبسطها لمعادلة الاستقرار والأمن مضرا بمصلحته الشخصية، و يقلل من سلطته المطلقة، وينهي عهد سيطرته على مفاصل الدولة الأمنية، ومنافذها السيادية البرية والجوية والبحرية، وقدرته على ابتزاز مؤسسات الدولة وفرض الأتاوات على كل المناشط الاقتصادية، وهذا هو جوهر ولب ” مشروع فخ الإرهاب المجتمعي” حيث تسعى كل الأطراف المتصارعة على شل حيوية المجتمع وسلبه قدرته على المقاومة والمواجهة الحاسمة والاحتواء.

 

صنوان يسقى بماء واحد

 

كل من يتسبب عمله ووسائله في تخويف الرأي العام، وفرض آرائه وانتزاع مصالحه بالقوة فهو جزء من مشروع فخ الإرهاب المجتمعي، قد لا يكون من الواقعية افتراض عدم وجوده كظاهرة في أي مكان إلا عندنا، ولكن التحدي الأكبر لا يكمن في وجود الإرهاب المجتمعي من عدمه، ولكن التحدي الحقيقي هو ” قدرة المجتمع على احتواء الإرهاب وامتصاص صدماته المتتالية، واكتساب المناعة الحيوية الكافية في إحباط معادلات الاستقواء بالسلاح لانتزاع المصالح، وهنا تبرز وظيفة مقاومة الإرهاب بشتى صوره ومبرراته ومنطلقاته كأبرز الوظائف الحيوية الاجتماعية للمجتمع، وهو ما ينبغي التفكير فيه على أساس حوته الركيزة الأساسية من ركائز الوجود المجتمعي، قبل التفكير في المستوى الأعلى من التطور والنمو الاجتماعي والرفاه الاقتصادي والاستقرار السياسي.

 

القوى المجتمعية والدور الغائب

 

إذا كان هناك حاجة لمستويات عالية من الوعي المجتمعي، ومستوى مماثل من الشعور بالمسؤولية والإدارك، وقدر عالي من الفاعلية والقدرة على التحرك لإنقاذ الموقف فهو اليوم يعتبر المسؤولية الأولى والمطلب الحيوي الأساس لأخذ زمام المبادرة لإسقاط كل معادلات الإرهاب والفوضى وتفكيك عناصرهما، تماما كما كانت مبادرة 17 فبراير 2011 لإسقاط معادلات الاستبداد وتفكيك عسكرة الدولة وإرجاع الصبغة المدنية لمؤسسة السلطة العامة.

 

من هنا ننتقل من مجرد اعتبار هذه السياقات مجرد بوست إلى سياق ورقة عمل للقوى المجتمعية المختلفة، وتنبيها لها على ضرورة الأخذ بزمام المبادرة قبل أن تبلغ معادلات الإرهاب والفوضى طور الذروة ويكون حينها الخلاص منها باهظ الكلفة، ولتبتعد القوى المجتمعية الواعية والفاعلة والجادة عن ورطة محاولة استخدام استراتيجية احتواء الإرهاب والفوضى إلى أداوات ومنابر صوتية مفرغة من المضامين الحقيقية الملموسة ويتحول حراكها إلى مجرد صياح وتناعر و تنابز وملاسنة و تصفية حسابات بين الفرقاء.

التدوينة الفوضى في واقعنا ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الفوضى في واقعنا”

إرسال تعليق