طرابلس اليوم

الثلاثاء، 27 فبراير 2018

دور الفساد في تدهور قيمة الدينار الليبي

,

صقر الجيباني/ خبير اقتصادي ليبي

في الواحد والعشرين من فبراير الجاري أصدرت مؤسسة الشفافية الدولية تقريرها السنوي عن مؤشرات الفساد وكان تصنيف ليبيا بحسب التقرير “فاسد جداً ” حيث تحصلت على الترتيب 171 من 180  دولة في مؤشر الفساد بالقطاع العام.

وتعود جذور الفساد الذي استوطن وعشعش داخل مؤسسات وهياكل الدولة الليبية إلى عوامل عديدة لعل من أهمها أيديولوجية النظام السابق التي أقحمت النظام الإشتراكي في الحياة الاقتصادية وقضت على القطاع الخاص في فترة ما، ومكّنت مؤسسات وشركات  القطاع العام  من قيادة النشاط الاقتصادي الذي ترهّل بمرور الوقت وأصبح مرتعاً للفساد بشتى أنواعه، وكذلك  طبيعة الاقتصاد الليبي المعتمد على مصدر وحيد للدخل يتمثل في  ريع النفط وما تنتجه عملية البحث عن الريع واقتسامه من صفقات وعمليات نهب و فساد وانعدام العدالة في توزيعه.

في منتصف العام 2013 تدنى ريع النفط الليبي بشكل كبير بعد اندلاع أزمة إغلاق الموانئ النفطية وبعض الحقول النفطية مما أدى إلى نقص المعروض من النقد الأجنبي بسعر الصرف الرسمي وفي وقت زاد الطلب عليه، وحينها نشطت خطوط التماس ( الفاسدة )  بين القطاعين العام والخاص للحصول على النقد الأجنبي من مصرف ليبيا المركزي بسعر الصرف الرسمي عن طريق اعتمادات مستندية وهمية وتهريبها إلى الخارج أو إعادة تدويرها إلى  السوق السوداء للعملات الأجنبية للمضاربة وجني أرباح كبيرة، ومن هنا بدأت قيمة الدينار الليبي بالتدني والانحدار في السوق السوداء، وأضحى هناك سعرين للصرف الأجنبي، سعر صرف رسمي صادر من المصرف المركزي ولكنه غير متوفر وسعر صرف موازي في السوق السوداء متوفر لكنه بأضعاف مضاعفة عن السعر الرسمي.

ومع طول أزمة إغلاق الموانئ النفطية وتوقف معظم الصادرات النفطية المصدر الوحيد للنقد الأجنبي وفرض مجلس الأمن قرار حظر توريد النقد الأجنبي إلى ليبيا بعد حادثة الاعتداء على الأموال المنقولة إلى سرت في ديسمبر 2013. وقف مصرف ليبيا المركزي عاجزاً عن التدخل واكتفى بفرض قيود كمية وسياسات مشددة على الصرف الأجنبي مما جعل  السوق السوداء للنقد الأجنبي والتي يتحكم فيها مجموعة من كبار المضاربين هي من تقود سوق العملة في البلاد  وبالتالي  انعكس ذلك على انهيار قيمة العملة الوطنية في السوق غير الرسمي و ارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكل كبير جداً حتى وصلت معدلات التضخم أكثر من 30%.

ومع غياب الرقابة والمحاسبة ومنها الرقابة على الأسعار ومحاسبة المسؤولين وضعف الدولة من جهة ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى ومع اقتصاد الحرب والبيئة التي توفرها الحرب من تسيّب وتشجيع على الفساد ومع الانقسام السياسي الذي امتد الى الانقسام المالي  استفحلت مشكلة السوق السوداء للعملات الأجنبية وتدهورت قيمة الدينار الليبي وأصبحت من بين أكبر وأخطر المشاكل التي يعانيها الاقتصاد الليبي حيث  طالت آثارها قطاع واسع من الليبيين تدنت  مستويات معيشتهم بشكل واضح.

و في هذا السياق لا يفوتني أن أطرح  السؤال التالي:

ما مدى فاعلية برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ينوي مصرف ليبيا المركزي والحكومة تطبيقه في ظل هذه البيئة والدرجة من الفساد الذي تفشى في مؤسسات الدولة الليبية الاقتصادية منها والسياسية ومن تواطؤ الفاسدين في القطاعين العام والخاص وعدم سيطرة الدولة على مليشيات مسلحة تفتح حيناً وتغلق أحياناً أخرى حقول النفط التي تمثل المنبع الوحيد للنقد الأجنبي في الاقتصاد الوطني وما يشكله هذا النقد من غطاء يحمي الدينار الليبي من الإنهيار؟.

التدوينة دور الفساد في تدهور قيمة الدينار الليبي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “دور الفساد في تدهور قيمة الدينار الليبي”

إرسال تعليق