طرابلس اليوم

الأربعاء، 28 فبراير 2018

الجنوب… صراع قبلي بخلفيات سياسية

,

عماد المدولي/ صحفي وكاتب ليبي

من جديد تعود التوترات الأمنية إلى المنطقة الجنوبية وتحديداً في عاصمته سبها التي ما تلبث أن تهدأ فيها الأوضاع من هنا حتى تشتعل من هناك مرة أخرى.

الصراع القبلي بين مكونات المنطقة أمر قديم وليس جديدا، وكل المهتمين والمتابعين للوضع هناك يعون ذلك جيداً، و حتى في أوج عنفوان و سيطرة القذافي على البلاد كثيراً ما حدث الاقتتال بين المكونات العرقية في مدينة سبها لأتفه الأسباب في كثير من الأحيان، ولكن التكتم الإعلامي في عهد القذافي قلل دائماً من انتشار هذه الأخبار.

التركيبة القبلية هناك معقدة جداً وجلب المعلومات عملية صعبة للغاية، فكل طرف لديه رواية خاصة به، هذا يتهم هؤلاء بجلب مرتزقة من خارج البلاد والأخر يتهمهم بأنهم مليشيات قبلية لا تخضع للدولة، وبالتالي الاعتماد على المصادر من المنطقة قد يربك رؤيتك للمشهد.

الصراعات القبلية في المدينة تهدف إلى السيطرة على أهم المواقع الاستراتجية فيها، وذلك لفرض هيمنة قبيلة على أخرى، أو حتى لعودة نفوذ قبائل كانت لها الكلمة العليا في فترة ما على المنطقة، فمن يتحكم في المنطقة بعد ثورة فبراير يختلف تماماً عما قبلها، لذا فإنه صراع تاريخي قديم له مسبباته وقد يستمر للأبد.

الجديد في كل هذه الصراعات هو محاولة استغلالها سياسياً من كافة الأطراف المتصارعة على الساحة الليبية الآن بهدف توسيع الرقعة الجغرافيا التي يسيطر عليها كل طرف بغية التأثير على الرأي العام المحلي والدولي بكل تأكيد.

الحرب الإعلامية والاجتماعية التي شُنت على القوة الثالثة المكلفة بحماية الجنوب والتي تشكل مصراتة أغلب قواتها كانت البداية الأولى لاستغلال هذا الصراع سياسياً، وهذا بالتأكيد لا يعني أن القوة الثالثة كانت بدون أخطاء، الكل شارك في تأزم الوضع هناك وإن كان بدرجات متفاوتة، و بعد خروج هذه القوة سارعت القيادات في عملية الكرامة إلى الإعلان عن سيطرة قواتهم على الجنوب بالكامل في تصرف يعكس مدى سعي عملية الكرامة إلى تحقيق مكاسب إعلامية لفرض نفسها كقوة فعلية على الأرض ليس في شرق البلاد فقط.

 

ورغم كل تلك الضجة التي أحدثتها التقارير الصحفية حول قوة عملية الكرامة في الجنوب وباقي المناطق في ليبيا والتي وصل الحماس ببعض قيادتها إلى القول إنهم على بعد كيلومترات قليلة من العاصمة طرابلس، غير أن كل هذه الانتصارات كانت مجرد فرقعات إعلامية لا وجود لها على أرض الواقع، و كل من هم في مدينة سبها وجل المهتمين بقضايا الجنوب يعرفون ذلك جيداً، حيث لا وجود لأي قوات عسكرية قوية يمكنها السيطرة وبسط نفوذها على المنطقة، ولولا الضغوط الإعلامية و الاجتماعية وتخلي المجلس الرئاسي عن القوة الثالثة لما كان لهم القدرة على مواجهتم بشكل مباشر، وما يحدث الآن من انفلات للأمن ودخول عناصر أجنبية – بحسب شهادات من مدينة  سبها – وانقطاع الوقود عن المدينة بالكامل بسبب عدم القدرة على تأمين سيارات نقل الوقود يؤكد كل ما اسلفته.

واليوم وفي إعادة لسيناريو خلق الانتصارات عبر وسائل الإعلام تحاول عملية الكرامة استغلال الصراع الحاصل في المنطقة لصالحها، بعد عجزها عن السيطرة على اللواء السادس مشاة التابع للمجلس الرئاسي، فسارعت في بث بيانات تزعم خوض قواتها هذه الحرب وإعلانها تكليف أحد ضباطها برئاسة اللواء السادس رغم عدم وجود هذا الضابط في المنطقة الجنوبية.

المشكلة والمعضلة الأن لا تنحصر فقط في من يريد أن يسيطر على المنطقة ولا في تحديد طرفي الصراع، المشكلة الأكبر الأن تتمثل في امكانية خسارة الجنوب بالكامل وتحوله إلى حلبة للحروب الأهلية بين كل مكوناتها، وبذلك يتحول إلى أرضية خصبة لظهور كافة الحركات والعصابات بما فيها تنظيم الدولة بكل تأكيد.

كل من سهل دخول هذ القوات الأجنبية وتعاون معها في هذه الحرب يتحمل الآن وزر هذه الأحداث، وسيكون مسؤولا بالكامل عن ما ستؤول إليه الأوضاع في جنوب البلاد.

الخطورة ليست في الصراع القبلى الحاصل والذي يرجع ربما إلى قرون مضت، الخطورة كل الخطورة فى الأوضاع المعيشية الكارثية التى فاقمتها كل هذه الحروب والصراعات على سكان المنطقة، والتي تسببت في هجرة عدد منهم إلى الشمال في بادرة قد تتسبب في تغير ديموغرافي كامل للمنطقة خلال السنوات القادمة.

التدوينة الجنوب… صراع قبلي بخلفيات سياسية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الجنوب… صراع قبلي بخلفيات سياسية”

إرسال تعليق