طرابلس اليوم

الاثنين، 26 فبراير 2018

حرب سبها …. عود على بدء

,

عبدالمنعم الجهيمي/ صحفي من سبها

تتعقد الأمور في سبها كالعادة، فالصراع الذي تشهده المدينة بين خصماء الدهر يتجدد كل عام، لا يمنع وقوعه اتفاق ولا مصالحات، فقد صارت المدينة مرهونة بأمزجة عدد من تجار الحروب وهواة بسط السيطرة ومنظري فكرة نحن من نحميكم.

في مارس عام2017 توصل أولاد سليمان والتبو إلى صيغة اتفاق يعتبر الأكبر ثمنا في سلسلة اتفاقاتهم منذ العام2012، فكان اتفاق روما -الذي لاتزال معظم بنوده وكواليسه غامضة- فاتحة جديدة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، كما تنفس أهل المدينة الصعداء وهم يرقبون أن تكون هذه الاتفاقية بمثابة نهاية لمسلسل الحروب التي أضرت بالمدينة وانعكست سلبا على جميع نواحي الحياة فيها.

حتى نفهم بعض أهم أسباب الصراع الواقع حاليا في المدينة علينا أن نرجع قليلا إلى فبراير عام 2014، حيث اندلعت وقتها حرب بين الطرفين سقط فيها حوالي 200 قتيلا، دخلت على أثرها القوة الثالثة بتكليف من حكومة علي زيدان لضبظ المدينة والفصل بين المتحاربين، وتوصل الجميع إلى اتفاق هدنة يقضي بانسحاب الطرفين من عدة مواقع كانوا يتخذونها منصات ومقرات عسكرية، وعلى هذا الأساس انسحب أولاد سليمان من عدة أماكن منها القلعة واللواء السادس، كما انسحب التبو من عدة مواقع منها فندق بيت سبها وكلية الزراعة.

ولكن لم يقع الانسحاب من بقية المواقع، فالتبو يقولون إنهم لا يستطيعون دخول قلب المدينة لقضاء حوائجهم بسبب استهدافهم على الهوية، ويسوقون لذلك عدة أحداث وقع فيها قتل أحد أبناءهم على الهوية داخل المدينة، وهو ما دفعهم إلى التوقف عن تسليم بقية المواقع، بالمقابل رفض أولاد سليمان الخروج من بقية المواقع، وكانت لهم أسبابهم منها أنهم لا يستطيعون الخروج لمزارعهم الواقعة في مناطق نفوذ التبو، كما أن توقف هؤلاء عن تسليم ما بيدهم خلق حالة من عدم الثقة.

فظل الوضع كما هو عليه، وانقسمت المدينة إلى مناطق نفوذ، حيث يسيطر التبو على أحياء الناصرية وحجارة وطيوري والمؤسسات الواقعة إلى الجنب من المدينة، بينما يسطير أولاد سليمان على وسط المدينة وأجزاء من حي المنشية، هذه المناطق لا يقع اختراقها من قلبل الطرفين، ولو صدف مرور أحد من أبناءهما في مناطق نفوذ الغريم يكون مصيره القتل.

واستمر هذا الحال حتى بدأت مشاورات روما وبدأت مرحلة من الانفراج في العلاقات بين الطرفين، تزامنت تلك الفترة مع اشتداد الحرب مع القوة الثالثة، حيث آثرت الأخيرة تسليم اللواء السادس لأولاد سليمان ثانية، ولم يمتعض التبو من ذلك فقد كانت المصالحة تلوح في أفق روما، وهو ما حدث فعلا، فوقّع الجميع اتفاقية المصالحة والتي تضمنت دفع التعويضات وإيقاف حملات التحريض والعمل على افتتاح المطار، وهي أهم النقاط التي اتفق الجميع على أهميتها لترسيخ مرحلة جديدة.

وبدأ الجميع هنا ينتظر الأموال التي ستدفع كتعويضات بحسب الاتفاقية، هذه الفترة شهدت تقاربا واضحا بين أطراف فاعلة في القبيلتين، ولكن هذا التقارب اصطدم بعدة عراقيل، أولها تأخر صرف أموال اتفاقية روما، والتي كان لها أسبابها أيضا، ولا يتسع هنا المجال لذكرها.

سلسلة من أعمال القتل بين شباب من الطرفين كانت كفيلة بإعادة الأمور إلى الوراء، فرغم قناعة الطرفين بضرورة اتفاقية روما إلا أنهما لم يستطيعا ضبظ النفس طويلا، فمع تأخر الأموال يصبح مزاج الجميع نزقا، وهنا صارت الأحداث تتسارع في طريق واحدة الحرب.

في الفترة الواقعة بين 2014 وحتى العام الحالي، كانت الأطراف المتحاربة في ليبيا جميعها تورطت في استجلاب المرتزقة من تشاد والسودان وغيرها، وهو أمر اضطر إليه الجميع لضمان الاستماتة في القتال، وكان لمدينة سبها نصيبها من هؤلاء، فتواجدت وحدات منهم في المزارع المحيطة بمدخل المدينة الجنوبي، وتنشط هذه المجموعات بين الحين والآخر في أعمال سلب ونهب، وهم الاآن كما تروي الأطراف يتدخلون في الصراع الحالي بحسب ما تقتضيه مصالحهم، ولكننا لا نستطيع تحديد حجم ونوعية ومقدار هذا التدخل، وسط غموض يلف مشهدهم، يرافقه إنكار أحد الأطراف لوجودهم نهائيا.

يقع اللواء السادس في سفح قلعة سبها ويشرف على مدخل المدينة وهو على بعد أمتار من مطارها، عسكريا يصعب على التبو السيطرة عليه، لأنهم في حال دخوله سيكونون مكشوفين لغرماءهم الذين يسيطرون على القلعة العالية، وسيكونون في مرماهم، كما يصعب على أفراد اللواء الخروج من المقر والسطرة على محيطه، فالحي المجاور له قوامه من التبو، وستكون خطوط الإمداد مهددة، لذا يكتفي الطرفين بتبادل إطلاق النار من مواقعهما دون أية بوادر تقدم لأحدهما، وكأنهم ينتظرون حاجزا أو مصلحا ليفض نزاعهما.

إلى ذلك يدفع سكان الأحياء المجاورة ثمن هذا الجنون، وخارج هذه الأحياء تتواصل الحياة بشكل اعتيادي، المحلات التجارية مفتوحة وكذلك مؤسسات الدولة، ويعيش المواطن همومه اليومية، في إصرار عجيب على الحياة رغم تلك الأصوات التي يسمعها الجميع لحرب لم يستوعب أحد أسبابها ولا يدرون نتائجها.

التدوينة حرب سبها …. عود على بدء ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “حرب سبها …. عود على بدء”

إرسال تعليق