طرابلس اليوم

الأربعاء، 13 ديسمبر 2017

مقترح الانتخابات … بين الحل والتعقيد

,

عماد المدولي/ كاتب وصحفي ليبي

 

يبدو أن فرضية التوجه نحو الانتخابات هي أكثر الحلول شعبيةً في ليبيا هذه الفترة، المبعوث الأممي في ليبيا “غسان سلامة” دعا إلى هذا بشكل مباشر في أكثر من تصريح قبل أن يعقد مؤتمراً صحفياً مع رئيس المفوضية العليا للانتخابات “عماد السايح” في العاصمة طرابلس

. دعوة ” سلامة” بالتوجه نحو الانتخابات في هذا الوقت تجعلنا نطرح عدة تساؤلات خصوصاً أن ” سلامة ” كان قد المح في العديد من تصريحاته السابقة إلى أن خيار الانتخابات سيكون هو الحل الأخير في حال فشل تنفيذ الاتفاق السياسي، فهل بات “سلامة” مقتنعاً بأن الاتفاق السياسي قد وصل إلى طريق مسدود ؟ وإذا كان الأمر كذلك هل يمكن تنفيذ انتخابات في بلاد تشهد انقسامات سياسية وأمنية وحتى اجتماعية ولم ينجح فيها حوار- تجاوز العامين- حتى في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين؟.

وفي ذات الوقت يقول “سلامة” إنه يجب أن تتوفر أربعة شروط لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا بطريقة مفيدة وفق تعبيره، تتمثل هذه الشروط في توفير الجانب التقني والفني للمفوضية العليا للانتخابات، وتوافق مجلسي الدولة والنواب على قوانين الانتخابات الرئاسية والتشريعية، والجانب الأمني، إضافة إلى قبول الأطراف السياسية بنتائج الانتخابات.

هذه الشروط قد تبدو لنا في ظل الظروف الراهنة وكأنها شروط تعجيزية للقبول بالانتخابات، فلو توفرت – ولو بجزء بسيط – هذه الشروط لتمكن الطرفان من الوصول إلى اتفاق يحل هذه الأزمة التي تعصف بالبلاد.

وتبدو الأمور أكثر تعقيداً بعد انتشار مقاطع فيديو لمجموعات تقوم بتحطيم اللافتات الخاصة بالمراكز الانتخابية في بنغازي وبعض المناطق في الشرق، مؤكدين بأنهم لن يسمحوا بالانتخابات في مناطقهم مع مطالبتهم بتفويض “خليفة حفتر ” رئيساً للبلاد.

الوضع السياسي في ليبيا يحتاج بكل تأكيد إلى دفعة قوية، وقد تكون الانتخابات هي الأمر الذي يحرك المياه الساكنة، لكن الخوف الأكبر الذي ينتاب المواطنين هو عدم وجود ضمانات حقيقية بإبعاد كل الوجوه المتصدرة للمشهد السياسي الحالي، فمن يرفض الانتخابات الآن – من اصحاب القرار – لا يخشى من عدم نجاحها في ظل الوضع الراهن، بل يخشى على مكانته، ومن يؤيدها منهم يطمح في الترشح بكل تأكيد، إلا من رحم ربي.

ورغم أن رئيس المفوضية العليا ” عماد السايح” أوضح أن ما يجري الآن مجرد عملية تسجيل للناخبين إستعداداً لأي أنتخابات قادمة، لكن هذا التحرك في ذاته أوضح أن خيار الانتخابات هو الحل الذي تريده الأمم المتحدة في البلاد رغم كونه أمرا سياديا داخليا.

باعتقادي أن الخوف الحقيقي من فكرة التوجه إلى الانتخابات دون وجود دستور و مع تردي الأوضاع الأمنية والسياسية لا يتمثل فقط من خشية إعادة تدوير الوجوه الموجودة الآن ، بل الخوف يتجسد فعلاً في احتمال خلق جسم جديد ينضم إلى الفرق المتصارعة على الساحة السياسية في ليبيا.

فكرة التوجه إلى الانتخابات في ظل عدم وجود دستور أو توافق بين الأطراف السياسية لن يقدم لنا إلا المزيد من الصراعات السياسية وحتى العسكرية، فمن سيضمن أن يرضى المتصارعون على السلطة بنتائج هذه الانتخابات؟ باختصار شديد بهذا التصرف فإننا سنعيد كارثة انتخابات عام 2014 وما ترتب عنها من انقسامات وتكتلات كانت سبباً في تردي الأوضاع في البلاد.

التعنت الغريب الذي اجتاح الكل ومرض الشرعية المزعوم الذي أصاب الجميع عقد وصعب من جهود التوصل إلى تسوية سياسية في البلاد، وإن كان مجلس النواب يتحمل الجزء الأكبر في عدم تفعيل الاتفاق السياسي وعدم تفهم رئاسته والبعض من أعضائه بأن بقاءهم في السلطة مرتبط بالاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات.

البقاء على نفس الحال لا يخدمنا كما أن انتخابات بهذه الوضعية ليست الحل المثالي في ليبيا، ما الذي يمنع عودة دستور الآباء 1963 ليكون الركيزة لنهوض البلاد من كبوتها، عودة الملكية حل آخر مطروح بشدة ولا يتعارض مع دستور 1963 وانتخابات جديدة على أساسه، الانتخابات بهذه الوضعية ليست هي الحل الوحيد في البلاد إنما هي حلٌ لمن يريد الاستمرار في السلطة لا اكثر ولا أقل.

بتُ مقتنعاً أنه مع استمرار وجود متصدري المشهد الحالي لن يكون هناك حل في ليبيا، وسيذكر التاريخ هذه الوجوه جيداً، وسيربطها دائماً وأبداً مع واحدة من أسوإ الحقب التاريخية التي مرت على ليبيا.

التدوينة مقترح الانتخابات … بين الحل والتعقيد ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “مقترح الانتخابات … بين الحل والتعقيد”

إرسال تعليق