طرابلس اليوم

الاثنين، 25 فبراير 2019

سُنَّة المحاصصة

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

 

كثيرة هي السنن السيئة التي رافقت مسيرة الثمان سنوات المنقضية ، ولعل أسوأها هي التأسيس لإحدى المساوئ التي قامت عليها ثورة السابع عشر من فبراير ، وهي تكليف الأمر لمن لا يستحقه ، ومن هذا توزيع المناصب القيادية في الدولة الليبية على أشخاص لا يحملون سيرة ذاتية قوية وفنية مختصة ، ولكنهم يحملون سيرة ذاتية تنص على انتماء جهوي أو مناطقي ، فلا يهم أن يكون وزير ما ذا وطنية وصدق وإخلاص مرفقاً بتخصص فالأولى أن يكون من مدينة س لينال المنصب فهذه الوزارة من حقها .

 

أدى الصراع و الاحتراب الليبي إلى إلزام المجلس الرئاسي المنبثق عن الاتفاق السياسي بأن يوزع المناصب القيادية في السلطة التنفيذية وزارات وهيئات ومؤسسات ومراكز حسب النطاق الجغرافي ، فسميت وزارات بعينها باسم الشرق وأخرى من حصة الجنوب ومجموعة ثالثة من حق الغرب دون الالتفات إلى المعايير الفنية فإن كنت من أهل الكفرة فلن تستحق أن تكون وزيراً للخارجية وإن كنت من أهل الماية فلن تسعفك شهاداتك العليا بأن تحضى بمنصب وزير الصحة وإن كنت من أهل درنة فلن تكون مسؤولاً عن قطاع التعليم .. وهكذا  !! .

 

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، فلقد شملت المحاصصة كل ما يخص الوزارة من بابها إلى محرابها ، فجل الموظفين الجدد الذين أتوا في ذيل المسؤول زاحموا موظفي المصلحة بسبب ولاء المسؤول لجهويته أو قبيلته فلا أقل من يكرم أبناء قومه بتعيينات هنا وهنا ، فالهنالك لرقعة جغرافية أخرى ! ، وبهذا أصبحت المرافق العامة للدولة الليبية مكتضة بموظفين تثقل ميزانية الدولة بأموال زائدة عن حاجة مقابلها من العمل ، وهي سنة قديمة تزداد تأكيداً .

 

من شروط الانتقال إلى الدولة المدنية من الحالة العبثية الحالية هي إعطاء الأمر لمستحقه حتى وإن كانت جميع المناصب من نصيب مدينة بعينها فما بالك برقعة جغرافية أكبر كالجنوب أو الغرب أو الشرق ، فخدمة الوطن وقيادة دفة الدولة التنفيذية لا تستقيم بالمحاصصة المناطقية تلبية لرغبة أطراف الصراع ، فالمناداة بقيام الدولة من هؤلاء يتناقض مع مطالبهم التي يغلب عليها طابع المساومة ، فالحديث عن الوطن ومعاناة المواطن والبحث عن حلول لها يجب أن يتناغم مع العمل الفعلي المخلص وأوله تمكين التكنوقراط من مؤسسات الدولة ليقودوا دفة الإعمار والبناء ويجعلوا خانة المدينة أو القبيلة فارغة في سيرهم الذاتية ، فالمقصد دائماً ليبيا .

 

التدوينة سُنَّة المحاصصة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “سُنَّة المحاصصة”

إرسال تعليق