طرابلس اليوم

الجمعة، 22 فبراير 2019

ويسألونك عن الدولة والثورة

,

صلاح الشلوي/ كاتب ليبي

 

قل هي مقاربة اجتماعية سياسية اقتصادية أمنية في آن واحد، يقوم بها من يعيشونها في ظل ملابسات الظرف المحيط بها وبهم، تنجح وتخفق بمقدار تفاعل القدرات الذاتية ومدى انسجامها مع الظرف المحيط أو الاصطدام به.

 

موضوع الدولة يا سيداتي سادتي موضوع ظرفي شديد الظرفية (situational or circumstantial )، بمعنى مرتبط بالظرف وتأثيره، بحيث يشكل إهمال اعتبار الظروف وتقدير أهمية تأثيرها ومحورية دورها في المدى الذي يمكن أن تصل إليه عملية بناء ونضج واستقرار مكون (سياس- اجتماعي) في هيئة اجتماعية يطلق عليها مصطلح الدولة يمثل هذا الإهمال خطأ منهجيا قاتلا في القدرة على فهم محركات قيامها وانهيارها ونجاحها واخفاقها كهيئة اجتماعية، وبالتالي ستكون كل التفاسير بعد ذلك ارتجالية عبطية لا تقوم لا على منطق ولا حكمة ولا معرفة ولا تجربة.

؛،؛،؛

من هنا يطرح السؤال نفسه، ترى هل عمليات بناء دولة أو إنشاء دولة تعتبر علمية خاضعة لمعايير محددة ومجردة أم أنها مسألة فن أي تخضع إلى حد كبير إلا لملابسات واقعية تفرض عليها في كل مرة تقوم محاولة بناءها من جديد إلى مخرجات مختلفة ومدد زمنية متباينة تكاد تنسف معها أي دعوى بأن هناك عمليات أو خطوات علمية كمية مجردة يمكن من خلال القدرة على ترتيبها وتنظيمها الحصول على دولة في كل مرة كلما عاودنا نفس الخطوات بغض النظر عن الظروف الملابسة؟.

 

أم تراها هجين بين العلم والفن والصدف؟

 

بعد تسع سنوات من حكمه أعلن الملك الراحل محمد إدريس السنوسي في بيان له عن حالة فشل الدولة الليبية التي أسسها بإعلان الاستقلال يوم 24 ديسمبر 1951، ثم إعلان وفاتها في يوليو 1960، كما جاء في مذكرات رئيس وزرائه مطصفى بن حليم ، الذي لا يمكن اتهامه بكرهه ولا عدائه للملك مثل معمر القذافي حتى يتهم في صدقه، ولا يمكن أن يتهم في عدم درايته لأنه كان أحد أركان المملكة إذ هو أحد ابناء المرحلة.

 

وفي حين الملك الراحل كان متواضعا ويتمتع بشجاعة أدبية اعترف بفشل الدولة بعد تسع سنوات، وانتظره بن حليم والناس جميعا أن يفي بما وعد به بإصلاح فشل الدولة، لم يعترف القذافي بفشل الدولة إلا متأخرا جدا عام 2008 وتوعد القطط السمان كما توعدها الملك في يوليو 1960 ولكن لا الملك ولا الجنرال وفى بما وعد به، وهنا يطرح السؤال نفسه بطريقة منهجية تتناول ظاهرة الدولة وتتجاوز البعد الشخصي، هل عدم الوفاء سواء من قبل الملك أو من مقبل الجنرال كان بسبب عدم رغبتهما في إصلاح فشل الدولة أم لعجزهما عن ذلك؟

 

في حين فبراير مضى على بدايتها سبع سنوات أرجو أن لا تكرر لا تجربة الملك إدريس ولا تجربة الجنرال.

 

بينما لم تكن ثورة فبراير السابع عشر ببدع من الثورات، فقد رافقت الثورة ميسيرة الإنسان منذ الأزل لم تفارقه، على الرغم من كل الكوابح المعنوية والمادية التي تعوق الثورة، إلا أن الثورة كقدر اجتماع سياسي كان من أبرز ملامح تطور المسار العام للجماعات البشرية حتى تلك التي يقودها الرسل والأنبياء.

 

فعل الثورة في حد ذاته لا حكم له إلا تبعا لدوافعه أولا ثم لنتائجه النهائية ثانيا، فهى حدث ظرفي تتبع لملابسات البيئة الداخلية والخارجية، وتخضع لما تقوم بتفكيكه من توازنات القوى سابقة وما تصنعه وتأتي به من توازنات قوى لاحقة، ولكن هناك سمت عام لخطورة أن تتحول الثورة من حدث طارئ مؤقت( event ) إلى حالة ثابتة مستمرة ( state ) فهي بذلك تأكل ما حولها ثم تأكل نفسها.

من أجل ذلك يخرج حديث الذكرى الثامنة للتحذير الشديد من خطورة مجاراة تيار الفوضى الذي يريد المحافظة بزعمه على حالة الثورة ليشغب بها على حالة الدولة المخولة الوحيدة بإدارة الشارع وما يجرى فيه من تفاعلات.

 

التدوينة ويسألونك عن الدولة والثورة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ويسألونك عن الدولة والثورة”

إرسال تعليق