طرابلس اليوم

الجمعة، 22 فبراير 2019

المجلس الرئاسي.. تقصير داخلي وقصور خارجي

,

علي أبوزيد/ كاتب ليبي

 

في كل تطور للأحداث تشهد ليبيا تبرز حالة الضعف والوهن التي تطغى على المجلس الرئاسي، وأحداث الجنوب لم تكن استثناءً، فرغم تسارع التطورات في الجنوب وتحركات حفتر خارج نطاق أي شرعية ودون أهداف واضحة إلا توسعة نطاق نفوذه وسيطرته يكتفي المجلس الرئاسي بردّات الفعل الباهتة والمتأخرة (كتكليف الفريق علي كنه آمراً لمنطقة سبها العسكرية) دون تحرّك جدّي وفاعل يتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه ويتّسق مع نطاق الصلاحيات والاعتراف والدعم التي يحظى بها.

 

سلوك المجلس الرئاسي المقتصر على ردّة الفعل المحدودة والمتأخرة غالباً، وغياب روح المبادرة عن ممارساته هي إحدى أهم عوامل ما يجري في الجنوب، فالجميع يدرك أوضاع الجنوب المتردية على مستوى الأمن والخدمات والمعيشة، وهي ما سببت حالة فراغ كبيرة تمددت فيها عصابات الجريمة المنظمة ووجدت فيها الجماعات المتمردة في تشاد وغيرها بيئة خصبة لتنمية مواردها واتخاذها قواعد تنطلق منها وتؤوي إليها، إضافة إلى ازدياد العصبية القبلية والعرقية بسبب غياب سلطة الدولة، كما أن فلول داعش وجدت في هذا الفراغ مأمناً من يد قوات البنيان المرصوص التي قصُرت وارتخت لانقطاع الدعم عنها من حكومة المجلس الرئاسي، كل هذه الأمور جعلت من واقع الجنوب جحيماً على أهله يعانون فيه الأمرّين من غياب الأمن وسوء المعيشة، والمجلس الرئاسي في تغافل عن هذه الحقائق.

 

سياسة ردة الفعل التي لا يتحرك الرئاسي إلا من خلالها هي التي أرغمته بعد تلكؤ ومماطلة إلى البدء في الإصلاحات الاقتصادية والعمل على الترتيبات الأمنية كردة فعل وقتها عن الاشتباكات التي حصلت في جنوب طرابلس سبتمبر الماضي، وها هي اليوم معرضة للانهيار بسبب تراخيه وعدم تحمّله لمسؤولياته، كما أن هذا الأداء الضعيف نفسه هو ما يجعل شخصاً مثل الصديق الكبير يتجاوز صلاحياته كمحافظ لمصرف ليبيا المركزي ويتدخل في اختصاص وزارة المالية ويحاول عرقلة برنامج الإصلاح الاقتصادي ويمتنع عن تسييل الأموال اللازمة لوزارة الداخلية كي تمضي في تنفيذ الترتيبات الأمنية.

 

غياب السلطة التشريعية القادرة على محاسبة حكومة المجلس الرئاسي ومراقبتها ساهم في ركون الرئاسي إلى مثل هذا الفاعلية السيئة، كما أن هيكلية الرئاسي غير المنسجمة ساعدت على هذا الأداء القاصر حيث يسعى كل عضو في الرئاسي إلى تحقيق ما أمكن من مصالحه ومصالح من يراها حاضنته السياسية، وهذا ما جعل المجلس الرئاسي ورئيسه خاصة يقع تحت نفوذ المجموعات المسلحة في طرابلس ويرتمي في أحضانها.

 

أيضا فإن تغيير المجلس الرئاسي أو تعديله غير وارد بسبب صعوبة حصول التوافق بين المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب، وهو ما يبعث الارتياح في نفوس أعضاء الرئاسي ويطمئنهم بأنهم باقون في كراسيهم، إلا أن التطورات الأخيرة في الجنوب تبعث برسائل تحذير واضحة للمجلس الرئاسي أن يتحرك بفاعلية وحسم لأن قائد عملية الكرامة يصرّ بشكل واضح على نسف العملية السياسية التي أتت بالمجلس الرئاسي، وما لم يتخذ الرئاسي خطوات عاجلة يخرج بها من المنطقة الرمادية إزاء عملية الكرامة سيجد نفسه أحد ضحاياه خاصة وأن سوء أدائه واستشراء الفساد في كثير من المؤسسات الخاضعة له قلّص بشكل كبير حجم الدعم الذي كان يحظى به من الشارع.

 

حتى عندما يحاول الرئاسي التحرك في أي ملف فإنه يتوجه إلى الخارج ويبحث عن دعم المجتمع الدولي أولّاً، وهذا قصور منه وغياب للرؤية، إذ الأولى به أن يتوجه إلى الداخل ليعيد ترتيب الصف الداخلي، ولا شك أن الاعتراف الذي يحظى به على المستوى الدولي وعلى الصعيد الداخلي يسهل عليه عملية ترتيب الأوضاع الداخلية، ولو أردنا إسقاط هذا الأمر على قضية الجنوب فأعتقد أن المجلس الرئاسي اليوم مطالب بإنجاز الترتيبات المالية لسنة 2019 على وجه السرعة، وتسمية وزير دفاع له خبرة وقبول في الوسط العسكري، والعمل مع قوات مصراتة والزنتان على تأمين الطوق الجنوبي للعاصمة، وتفعيل المنطقة العسكرية الجفرة لتكون قاعدة انطلاق للجنوب، أيضا العمل على التواصل مع أهالي الجنوب على مستوى ممثليهم في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وعلى المستوى الاجتماعي مع أعيان الجنوب، والتأكيد على أن معركة الجنوب معركة تنمية سلاحها الاستقرار، وليست معركة عسكرية بالرصاص والقذائف، والعمل على تحسين الخدمات في الجنوب مما سيسهم في تقليص نفوذ حفتر ويسمح باختراق جبهته هناك، خاصة إذا صاحب ذلك فتح قنوات التواصل مع دول الطوق للحدود الجنوبية وإرسال رسائل الطمأنة إليها والتأكيد على الشراكة الأمنية معها.

 

إذا نجح الرئاسي في العمل بهذه الوتيرة مع رفع أداء وزاراته كافة وأحسن استخدام ورقة الاعتراف والدعم الدولي سيكون قادراً على تحجيم حفتر وتوريطه في الجنوب الذي سيكون مختلفاً عن المنطقة الشرقية والذي له فيه هزيمة تاريخية انتهت بأسره، وعندئذ سيكون توجه المجلس الرئاسي أكثر تأثيراً وأكبر مردوداً، أما استمراره في هذا التقصير الداخلي لن ينعكس إلا قصوراً في المسعى الخارجي ولن ينجنيَ من ورائه شيئاً.

التدوينة المجلس الرئاسي.. تقصير داخلي وقصور خارجي ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “المجلس الرئاسي.. تقصير داخلي وقصور خارجي”

إرسال تعليق