طرابلس اليوم

الأحد، 26 فبراير 2017

أحياء بنغازي: سيدي حسين

,

عبد المطلوب الوحيشي

فأسفح دموعك…فهي رسائل الهوى ..فلا زاجل يطوى الفلا ..ليخبرهم بأنك مانسيت..

وأطرق بصمت وأغمض مقلتين أعياهما الصبابة والشوق..واستذكر الوجوه والأمكنة.. فليس ذنبك أن التفاصيل لا تُنسى ! وليست جريرتك أن تكون الذاكرةَ اسمٌ على مسمى

ودع المآقي .تفضح السر …فالدمع أنيس الرحلة ورفيق السفر…وأبدأ مسيرك…ستقودك الخطوات إلى حي هو واسطة العقد و سُرة المدينة…. وأنفس قلائد “كوة الملح”..

قلب ثنايا المكان…وأرسل الحنين هتونا ، فلقد تبسم البارق الغربي…فإن أردت أن تكتب ..فدعني أملي عليك ..وخُطَّ الحروف بماء العيون…

تقول اساطير الزمان ،،…أنه من من قبل التاريخ…اشتهت الألهة (هيرا) الملح…فأرسلت فاتنة من “حارسات التفاح الذهبي”…تستخبر المكان…هنالك أنبجست العيون …فتراقصت الفاتنة حتى تعرقت أنوثة..وفاض من تحت أقدامها الماء حتى صار بحرا …فأنيتت الأرض الملح…ومن يومها تشكلت حاضرة المكان …ومن يومها عرفت الدنيا أن الحي وأهله هم “ملح البلد” …

فأكتب أن في الحي لا يفسد (الملح) أبد…. وهنا فقط يكون لملح “الكوة” حلاوة وعذوبة !

في الحي …في الصوامع والِبِيعُ …من زمان بعيد..كانت تعاليم (مرقس)…تُرسل من (قورينا) ..في ألف أغنية لتتلى في منارة راهب متبتل…

من العهد العثماني الأول، إلى القرمانليين ثم إلى العهد العثماني الثاني ، تشكل الحي جزءاً من متصرفية (لواء) بنغازي..

ثم أناخ الدين راحلته …عندما أضحى المكان المستقر والمستودع للولي (حسين الفاخري)..سليل المرابطين ،وفرع من ذرية (عقوب السخان) أبن( الفواتير) من (أولاد سليمان) السبعة ،الذين ينحدرون إلى عترة بيت النبي الهاشمي (عليه السلام)..

قضى الولي أيام مدته..فدفن في تراب الحي .. ثم كانت القبة والمزار …ومن يومها عُرف الحي بأسم الولي …(سيدي حسين)..ومن يومها ثمثل الجيران والسكان كلمات الفقيه التي تقول :(( مانا ضراري ضرة..خوت مالظهر ياليبيا والصرة..ظناك كلنا))..

هناك أراد الفاشيست أن يقطع وصل المدينة، فكانت الحواجز عند “المفلوقة” … هناك كانت رقائق “رفيق” تسح دمع صديقه “الشيخ موسى البرعصى”..وهنا كانت آلام المعتقلات والتهجير لأبناء الحي..وهنا أنهمر الدمع لما سمع الناس بيت “مخلوف” : “عمري على ها الوطن ما ننهاكن … على كيفكن سيلن إن ضاق وعاكن”

من شارع “الكاروات” ..كانت محطة “الستسيوني” لقطار سيدي مرعي ( راقد جردينة) الذي وصفه (الحلافي) قائلاً : “شايل خليقه كل حد من تيقه”…

هناك نهض الوطن..فأبدأ سطراً جديداً..لتُعلي فيه هامات رجال “المملكة” وقامات الدولة…فمن “السكابلي” .ينعقد ملح الأخوة والرحم… وتنصهر أعراق الشرق والغرب وجنوب الوطن في بوتقة واحدة فريدة …ستببئك الأثار عن ذروة سنام الدين حين ترى “الشيخ عبدالحميد العبار” رفيق (المختار)..

ولا يمكن للعين أن تخطئ وجاهة ”حسين مازق” وزعامة “السنوسي لطيوش” و”حامد العبيدي”…ستكتب عن “الحاج عبدالقادر العلام” وعبد القادر البدري: و“أحمد صويدق” و”حسين طاهر” و”عوض عبدالجواد” و”عبدالرازق شقلوف” و (محمود بوشريدة) وسيجري مداد القلم ليذكر بين أروقة (الديوان) لطائف“الدكتور علي الساحلي”، و”أحمد فؤاد شنيب”، و”معتوق آدم الرقعي”…

هناك سيطل السيد (أحمد بوهدمة) ليقُر للكلمة إن تبين في صحيفة (العمل)..وفي أوراقها لم تكن هناك عصمة لحكومة…وهناك سجلت صرخات (وين ثروة البترول يا سمسارة)

في الحي كانت الدواة ولقلم،،،والقرطاس واللوح…فأنقش الحرف نقشاً ..لتخلد ذكرى العلم … من الأستاذ “علي بوشناق”، والأستاذ “عبدالسلام الشركسي”، والأستاذ “مفتاح الفاخري”، والأخوين “سالم وسليمان الجوهري” ورفاقهما.

في الحي ، تقاسم (النيهوم) و(جانقي) السُكنى،..وهناك أثار الصادق نقع (فرسان بلا معركة)، وباع خليفة (الريح للمراكب)..وهناك استرقت حيطان الحي السمع إلى (الشلطامي) لتحفظ عن ظهر قلب (تذاكر للجحيم) ولتعلن أنه (مشرق كالشمس وجه الكلمة)..

في الحي ، حسناوات عفيفات الهوى..لا ينقص فيهن العشق مطلقاً ..فإن أردت وصف “بنية سيدي حسين” فأكتب بعامية متيم شهادتك لتقول :

يزيد مانقص مازال في غنداقة …غلا من مكوحل بالسود ارماقه

مازال فيه نحازي …

غلاها سكن في الجوف مو متوازي….داير شوارع ضابحات أسواقه

إن لبست رفيع السوم من “بنغازي” ….حصيري وبوثومة شقي دقاقه

وجت ترتشاق ومشيها طربازي ….عناق ريم ضايقها زفي بنداقه

في مساجد الحي ..بين عرصاتها …يحف الدين المرابع…من مزامير الذكر ..من “الفقيه بوبكر السوكني الفزاني” إلي “الشيخ زوبي” و” الشيخ الزاوي”..والزاهد “العود”..إلى الخلوات إلى أبوب البيوت المشرعة…هنا تهب نسائم كل خير..هنا تطرق أبواب “البنغازيون”..فتفتح لك القلوب قبل الديار.

هنا من تغنى “الأهلي لابس خط النار”..هنا لاعبي “المشوار”…”إمحمد الشريف” و”العفاس” و”بن حامد” و”ساطي”..وهنا “للنجمة” و”الهلال” و”النصر” نصيب من أبناء الحي..من “عاشور الأسكندراني” إلى “حجل” و”البكوش” و” الورفلي” و”أبشيكيطة”.

هنا يقف “سي مفتاح الشين” معلماً ومقصدا، هنا سي “أرخيص” تدور يديه الطيبتين لتصلح ساعة “جوفيال”، هنا قفشات”سي منصور شحات (عقارب)”. هنا الرايس (تمصص)..هنا “أحميدة فاصوليا”

هنا “البيجو” و “زوبي” و”ساطي” ،و “الربع”…هنا “تربل” و”الأثرم”، و”الدرسي”.. هنا “الصويعي” و”أمليش”،و”عبدالباقي”.. و”بووذن”و “غرور” و”الدنيني” ..هنا آثار“الذيب” و”الترية”، وهنا “حمامة” و”الجبلي” و”الترهوني” و”رقرق” و”الحاسي” و”غيث”.

وهنا كانت أحجار “تاقزة” (خويدم الله)، تبعث أملًا لعجائز الحي ، وينشر تلويح عكازها ضحكات برئية بين أطفال وفتيات “سيدي حسين” في “الدردوحة” و”الشين”و”العلوة” وزقاق “زوبي” و”العويلة”

فأكتب الخاتمة بأن هنا كان وطناً كاملاً…

وهنا يقال أنه في كل ليلة… على ضفافي الحي..حول قبة الشيخ …أذا أنصت المرؤ وألقى السمع .. …سيستمع إلى صوت يهتف من بطون “الكوة” ..ينتحب قائلا:

(( سمعت بكا… فزيت من نومي رفعت غطا….تاريتها عيني .

سمعت بكاها…وهي سامرة تهاتي على مدعاها ساهيتها نين المنام خداها… رقدتها..وتميت نبكي نا !!!! )) **

ثم ألقي قلمك جانباً …لأنك حينها ستخنقك العبرات، وستمسح دمعا مالحاً !

——————————————————————————————

(*) ..لقد حاولت معتمداً على ذاكرتي المتواضعة تسمية عائلات “سيدي حسين” وأجزم أنني نسيت بعضاً من أعراقها ، فبعدالمعذرة مسبقاً…أدعوكم لإضافة من سقط سهواً.

التدوينة أحياء بنغازي: سيدي حسين ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “أحياء بنغازي: سيدي حسين”

إرسال تعليق