طرابلس اليوم

الأحد، 19 فبراير 2017

‎تعديل سعر صرف الدينار الليبي بين الواقع والممكن

,

‎سليمان الشحومي/ خبير مالي واقتصادي

ماذا يعني تعديل سعر صرف الدينار أمام العملات الأجنبية ؟

‎يشتد الصراع والتجاذبات حول تعديل سعر الصرف للدينار الليبي في ظل تردي قيمته في السوق الموازي وعدم قدرة البنك المركزي علي مواجهة الطلب عليه، و أودّ أن استعرض مسالة تعديل سعر صرف الدينار من عدة أوجه :

‎ التعديل من وجهة نظر البنك المركزي :

‎تعديل سعر الصرف يعني الحاجة إلى تعديل ميزأن المدفوعات والذي يكون سالب بمعني أن قيمة الواردات أكثر من الصادرات ويكون هذا العجز متراكم لعدد من السنوات، فيكون تعديل سعر الصرف حتي تكون كمية الدينارات التي يقاس بها الدولار أكثر من السابق . كما أن أنهيار أسعار الصرف بالسوق السوداء وتحكمه بسعر الصرف وضعف قدرة البنك المركزي علي مجابهة الطلب العإلى علي العملة الأجنبية يقود للتفكير في تعديل سعر الصرف في الظّروف الاعتيادية .

‎تعديل سعر الصرف يعني أن البنك المركزي سوف يطلب دينارات أكثر لبيع الدولار وهذا ينعكس علي الموازنة العامة للحكومة بزيادة تكلفة الواردات الحكومية من الخارج بمعني زيادة الأنفاق العام .

‎ومن ناحية أخرى يعني زيادة تكلفة الواردات غير حكومية والتي تنعكس بالإضافة إلى الواردات الحكومية في ارتفاع الأسعار وبالتالي زيادة معدل التضخم وخصوصا مع وجود القرار الجديد القاضي برفع الرسوم الجمركية بنسبة 100% والتي لم يراعي فيها الصناعات المحلية ولا الاتفاقيات الدولية ولا القوانين التي تمنح بعض الإعفاءات وربما علي أرض الواقع لن يجد طريقه للتطبيق وقد تعترضه إجراءات قانونية تطيح به .

‎لذلك يطلب البنك المركزي من الحكومة إقرار برامج اقتصادية مثل إلغاء الدعم أو استبداله بدعم نقدي مباشر، وترشيد الأنفاق العام للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار وزيادة التضخم المصاحبة لا ارتفاع معدلات البطالة، خصوصا أن البنك المركزي الليبي غير قادر علي التحكم في عرض النقود عبر استخدام معدل الفائدة كونه معطل، لذلك يلجأ إلى الخيار الوحيد المتاح وهو استخدام سحب النقد المحلي عبر بيع الدولار في محأولة لا إرجاع جزء من النقد المتواجد خارج الإطار المصرفي .

‎ارتفاع النفقات العامة الحكومية يعني حدوث العجز في الموازنة العامة والتي في الوضع الليبي الحإلى ليس لها حل الا عبر تدخل البنك المركزي وتمويل العجز وذلك يعني أن عليه التصرف في جزء من احتياطياته بالعملة الأجنبية وتحويلها إلى دينارات للحكومة أو أن يقوم بطباعة أوراق نقدية جديدة ويتوسع في عرض النقود وهذه مشكلة اكبر . فالايرادات العامة تأتي من بيع النفط في الغالب وهي بالدولار والبنك المركزي يضع هذه الإيرادات في حساب الحكومة لديه بسعر الصرف الجاري بالدينار ويحتفظ بالدولار ليبيعه لمن يريد لتوفير الدينارات اللازمة لتغطية حسابالحكومة .

‎تعديل سعر الصرف يعني أن المركزي سيوفر الدولارات لمن يريدها بالسعر الجديد والذي غالبا ما يقترب من سعر السوق الموازي وهذا يعني أنه في ظل أزمة السيولة الخانقة الحالىة وتركزها خارج البنوك، فإن الإقبال علي شراء وتحويل الدولار سيكون شديد وربما سيحتاج البنك المركزي لضخ كميات كبيرة لتلبية الطلب علي العملة الأجنبية وفِي ظل محدودية الإيرادات السنوية من النفط يعني السحب من الاحتياطي الذي أصبح أكثر ضعفا من قبل .

‎وبالتالي تعديل سعر الصرف بالنسبة للبنك المركزي ومقابلة الطلب عليه سيكون صعب دون وجود قيود علي الشراء، كما أن القول أن ذلك يحل أزمة السيولة قد يكون غير دقيق، فكلما عرضت دولارات سيدخل للبنوك دينارات ولكن سيتم إعادة تدوير الدينارات مرة أخرى في شكل نفقات عامة إلى الطلب مرة أخرى علي الدولار ويستمر دائما الطلب علي الدولار مالم تستقر الأوضاع الاقتصادية بشكل عام وتكون آلىات السوق تعمل معا .

‎تعديل سعر الصرف من وجهة نظر التجار :

‎تعديل سعر الصرف بالنسبة للتجار يعني تلبية طلبهم من العملة الصعبة والقضاء علي أي برنامج حكومي لدعم للسلع وغيرها وبالتالي يقضي علي التشوهات واحتكار القطاع العام لتوريد بعض السلع، ويفتح أمامهم الباب مشرعا لتوريد ما يريدون ودون خوف من منافسة القطاع العام، بل القضاء علي القطاع العام الإنتاجي والخدمي المترهل بتكدس الموظفين العموميين به، كما أنه يكشف قدرة القطاع الإنتاجي والخدمي شبه الحكومي ويجعله غير قادر علي المنافسة مع القطاع الخاص ويخرج من دائرة الإنتاج إلى البيع والتخلص منه لصالح القطاع الخاص لاحقا، وذلك يحدث دون وجود قواعد اقتصادية مستقرة وسياسات اقتصادية واضحة ترسم علاقة واضحة بين الأطراف المتداخلة في الحياة الاقتصادية وتراعي العواقب الناجمة من التغيير الحاد دون وجود سياسات وإلىات للحماية الاجتماعية والعدالة.

يقترح طيف واسع من التجار والمهتمين، مسالة تحويل الدعم إلى دعم نقدي مباشر للمواطن سواء للسلع الغذائية أو للمحروقات وربما حتي الكهرباء وهذا جيد ولكن مالم يكن لدينا نظام مستقر وبرنامج لخصخصة القطاع الحكومي وشبه الحكومي سيكون هناك صعوبات كبيرة وسيكلف الدولة أموال لتغطية عجز القطاع الحكومي وشبه الحكومي الصناعي والخدمي والتجاري. كما أن آلىات حماية المستهلك وقوانين وقواعد المنافسة بين أطراف القطاع الخاص تحتاج إلى ترتيب وتطوير لضمان العدالة والحفاظ علي حقوق الدولة، فتخلي الدولة عن دعم هذه الأنشطة وترك المجال للقطاع الخاص يتطلب تنظيم وتطوير النظام الضريبي والجمركي والأداءات والرسوم المحلية المختلفة وسبل الجباية علي مستوي الدولة وعلي المستوي المحلي، فسياسة الإعفاءات وتحفيظ معدلات الضريبة في السابق لغرض تحفيز الاستثمار لن تكون مفيدة في الظروف الحإلىة.

‎لا شك أن الفساد المستشري في ظل ضعف قدرة الدولة ومؤسساتها المالىة والرقابية والقضائية يلقي بثقل كبير جدا إضافي علي إبقاء سعر صرف الدينار بدون تغيير وهذا ما ينادي به طيف واسع.

‎ولكن يبقي السؤال الأهم، هل تعديل سعر الصرف يأتي قبل إعادة التوازن للاقتصاد عبر وجود حكومة واحدة قادرة علي فرض سيادة الدولة، أم أنه أصبح السبيل الوحيد الممكن حالىا في ظل تلاشي دور وقدرة الحكومة علي القيام بأي برنامج إصلاحي واسع يعمل علي تحريك عجلة الاقتصاد الحقيقي المعطل ؟

التدوينة ‎تعديل سعر صرف الدينار الليبي بين الواقع والممكن ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “‎تعديل سعر صرف الدينار الليبي بين الواقع والممكن”

إرسال تعليق