طرابلس اليوم

الأحد، 19 فبراير 2017

المسألة لا سحر بها

,

عطية الأوجلي

أنت تحصد ما تزرع،  فالشعوب التي تهتم بالتوعية وبغرس القيم الإنسانية وتعلم صغارها مبكرا معاني الرفق والصدق والتعاون واحترام العمل ستحصد النجاح والتقدم والتميز. والشعوب التي تعلم صغارها الغش والكذب والنفاق والاعتداء على حقوق الغير والتعصب واحتقار العمل ستحصد الفساد والأزمات والخصومات الدامية، وستغوص حتى أخمص رأسها في العجز.

المسألة لا سحر بها. ففي أبريل 2011 ضرب اليابان زلزال فتأثرت محطة فوكوشيما النووية وانهار أحد جدرانها. تسبب الزلزال في موت و تشرد الآلاف وخلف العديد من المآسي. غير أن الملفت للنظر في هذه المأساة هو تصرف الشعب الياباني بشكل يثير الاعجاب و الاحترام، فقد تميز رد فعله بالآتي:

1- الهدوء وضبط النفس؛ لم يكن هناك صراخ بالشوارع أو نواح وإنما حزن يتسامى.

2- إحترام الطوابير والنظام؛ فرغم الظروف الصعبة لم تشهد الطوابير أي عراك أو سباب أو حوادث عنف.

3- الرحمة؛ اشترى كل من الناس ما يحتاجه وكان هناك ما يتيح الفرصة للجميع لشراء شيئا ما. فلم تشهد الأسواق هيجان في التسوق أو نقص حاد بالبضائع.

4- ضبط النفس؛ لم تشهد الاسواق ولا المصارف حالات نهب أو سرقة.

5- الإعلام أبدى درجة كبيرة من المسؤلية؛ فلا تعليقات تافهة أو تصفية حسابات أو استغلال الأزمة لنيل المكاسب السياسية.

6- التضحية؛ بقي حوالي خمسون عاملاً في المحطة النووية يضخون ماء البحر لتبريدها وخوفا من انفجارها رغم المخاطر الواضحة.

7- قامت المطاعم بتخفيض أسعارها تضامنا منها مع المتضررين.

8-عندما انقطعت الكهرباء أعاد الناس في الأسواق ماكانوا يحملونه إلى الأرفف وخرجوا بهدوء.

9- تفيد تقارير للشرطة اليابانية عن تلك الفترة بأن الناس قد سلموها مبالغ كبيرة قد جمعوها من جثث موتى الانقاض.

كل هذه التصرفات لم تأتي من فراغ، فالمجتمع الياباني لم يكن بهذه السمات منذ حوالى قرن مضى، وإنما اكتسب الكثير منها نتيجة عقود من العمل المتواصل ومن التربية والتعليم والتدريب والتخطيط وغرس القيم الجيدة، والاستفادة من الأخطاء ومن تجارب الغير والابتعاد عن المهاترات التي تضيع الوقت والجهد والمال، و تنهك الشعوب دونما جدوى.

أخيراً؛ الطريق الذي سلكته اليابان لازال مفتوحا ومتاحاُ أمام الآخرين. فقط عليهم أن يعترفوا بأن أزمتهم الحقيقية هي أزمة أخلاقية ومعرفية، وأن يكفوا عن الشكوى والتذمر وتبادل التهم وإصدار الأحكام، ويتجهوا نحو العمل ويحاسبوا أنفسهم قبل أن يحاسبوا الغير. فهل من فاعلين؟

التدوينة المسألة لا سحر بها ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “المسألة لا سحر بها”

إرسال تعليق