طرابلس اليوم

الجمعة، 17 فبراير 2017

في الذكرى السادسة لثورة فبراير

,

السنوسي بسيكري/عربي 21

المطلع على وسائل الإعلام والنشر ووسائط التعبير والتواصل يجد أن فبراير أصبحت محل نزاع ليس فقط بين أنصارها وأعدائها من أول يوم اندلاعها، بل حتى بين من ناصروها وساروا في ركابها في سنواتها المشرقة. والححج تدور حول أنها نكبة جاءت بالمستعمر، أو أنها كارثة أوصلت الليبيين لوضع سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني مزري جدا.

الموقف عندي مختلف تماما، فثورة فبراير، كما قلت ولا زلت أقول، هي هبة عفوية مثلت لحظة تاريخية في عمر ليبيا منهية فترة استبداد قهري وفاتحة المجال لأفق سياسي تعددي، وفرصة للتنمية والنهوض الاقتصادي والاجتماعي التي كانت نظام القذافي حجر عثرة أمامهما بشهادة حتى من ناصروه عقودا من الزمن، ولا أبر وأوضح من الواقع السيئ الذي عرفته ليبيا منذ التحول الاشتراكي وتطبيق مقولات الكتاب الأخضر عام 1978 والذي شل عجلة الحياة ورهن النشاط الاقتصادي إنتاجا وتوزيعا للدولة فوصلنا إلى المختنق المعروف والذي لازلنا نعاني من أثاره حتى اليوم، وأبرز مظاهر تضخم جهاز الخدمة المدنية وموظفي الدولة بشكل أرهق كاهل الخزانة العامة.

فبراير لحظة تغيير تاريخية وليست انقلابا مدبرا، أوقد شعلتها شباب لا أجندة لهم، وحافظوا على جذوتها وفتيلها بدمائهم حتى حققت أهدافها بالتغيير، وظهرت ثمارها جلية عامي 2012، و2013، وأزعم أن الرواج والانتعاش الذي شهده العام 2012 لم تعرف ليبيا مثيلا له منذ خمسة عقود.

كل ما وقع بعد أن حققت الثورة أهم أهدافها ليس مسؤوليتها، ولا يعقل أن ينسب إليها. فهل من المنطقي أن نحمل الثورة التي لم يخطط لها أحد بمن في ذلك القوى الخارجية، مع تأكيدنا أنهم استغلوها لتحقيق مأربهم، وهناك فرق بين التخطيط لها، وركوب موجتها وتوجيهها لصالح أغراضهم، نحملها عبث اليوم وفساد اليوم وإجرام اليوم؟!

العبث والفساد والأجرام لم تخطط له فبراير، فالثورات لا تعتمد التخطيط، هي فقط تهيئ الظرف السياسي لذلك، وهذا ما فعلته فبراير، فقد انتزعت السلطة من حكم الفرد، ووضعته بين يدي الليبيين ليختاروا من يمثلهم ويصطفوا من يقودهم.

انتخابات المؤتمر الوطني العام ثم الهيئة التأسيسية لوضع الدستور ثم المجالس البلدية ثم البرلمان مثلت الفرصة التي وفرتها الثورة لليبيين ليشقوا طريقهم نحو التطور والنهوض الاقتصادي والاجتماعي، لكنهم ضيعوا هذه الفرصة باختيارهم من لمن يكونوا أهلا للمناصب التي تقلدوها، وضيعوا الفرصة باستغلالهم كل ما وقع بين أيديهم من مال، وفي هذه عم البلاء وتورط فيه كثير من الليبيين خاصة عامي 2012 و2013 وملفا الجرحى والعلاج في الخارج، والانتساب للكتائب خير دليل على ذلك.

فبراير مثلت شرارة التصدي للعنجهية بعد أن واجه نظام القذافي شبابا عزلا بالنار وسقط مئات الضحايا في مظاهرات سلمية، وخرج عليهم ساخرا ومتهكما وشاتما بأقذاع الألفاظ، وأرسل لهم رتلا عسكريا ليرغمهم على الاستسلام ويعيدهم إلى بيت الطاعة، الأمر الذي ساهم في ارتفاع وتيرة المواجهة فانتقلت الثورة من وضع سلمي إلى مجابهة مسلحة.

لكل ما سبق، فإن فبراير عندي بريئة مما ينسب إليها من قبل من رفضها لأنها كما قلت هبة صادقة لا يمكن نسبتها لأحد، وبريئة مما حملها إياه من يدعون أنهم أنصارها من أعباء بتجاوزاتهم وخروقاتهم وانتهاكاتهم الفظيعة، وهي التي جاءت لتنهي حقبة مريرة من الظلم والتسلط والفساد والانتهاكات.

فلتخرج فبراير من النزاع، ولنتقدم باتجاه الوفاق الحقيقي لنوقف نزيف الدم وهدر الموارد وتضييع حقوق الناس، فالبلاد في مفترق طريق خطير، وتحتاج منا إلى صدق وإخلاص يمنعان من جرها إلى المجهول، ويوقفان المعاناة التي طالت الجميع بلا استثناء.

التدوينة في الذكرى السادسة لثورة فبراير ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “في الذكرى السادسة لثورة فبراير”

إرسال تعليق