طرابلس اليوم

الاثنين، 30 أكتوبر 2017

طريق حرير تجاة المخدرات جنوب ليبيا.. رواية تاجر

,

عبدالمنعم الجهيمي/ صحفي وكاتب من سبها

يعمل عمر البدري(27عاما)  منذ اكثر من ست سنوات في نقل بضاعته من المخدرات عبر الصحراء من شمال النيجر إلى وسط مدينة سبها، ولم تتعرض رحلاته لأية عراقيل برغم مصاعب الطريق التي ازدادت بعد عام 2011، فإضافة للفلتان الأمني ومصاعب الصحراء، يواجه عمر معضلة تعدد المجموعات المسلحة المحلية التي تنتشر بشكل معقد على طول الطريق.

التقيته بالقرب من منفذ التوم الحدودي وكان حديثه غريبا حول الطرق التي يسلكها عبر الصحراء، يقول إن رحلته تبدأ من منطقة دركوه شمال النيجر هناك ينشط البائعون وتجار الجملة في أماكن مختلفة من المدينة، يقول عمر إنه لا يتفاوض مع التجار ولا يجري معهم أية مداولات، فالاتفاق يكون انتهى بين التجار عبر الهاتف، وهو بذلك يتجه للعنوان الذي تلقاه ويحمل عبوته ويقفل راجعا للبلد.

يملك عمر سيارة دفع رباعي نوع تويوتا، وهي أكثر أنواع السيارات المستخدمة في عمليات التهريب سواء كان تهريب البشر أو البضائع او المخدرات، وتنطلق رحلته من دركوه إلى المثلث المعروف بمثلث السلفادور، وهو بذلك يبتعد غربا عن منفذ التوم إلى مناطق قريبة من المثلث الحدودي بين ليبيا والنيجر والجزائر، وهو مثلث لاتملك الدولة، أي سيطرة عليه منذ سنين طويلة، ويعتبر أكثر المناطق أمنا بالنسبة للمهربين وقطاع الطرق وتجار البشر، تستمر هذه الرحلة ما يقرب من سبعة أيام في صحراء قاحلة، فلا يصل أول نقطة إلا وقد نفذ وقوده وماءه وغذاءه.

ويستمر عمر في وصف رحلته التي يرافقه فيها أحيانا بعض ممتهني التهريب ليستأنسوا بالطريق الطويل، بعد عبور أجزاء من المثلث يغير وجهته شرقا باتجاه المناطق القريبة من منفذ التوم الحدودي مع النيجر، فيمكث في الجبال المحيطة يوم أو إثنين على الأغلب حتى يتلقى ما وصفها بالتعليمات من صاحب البضاعة بالتحرك عبر الطريق الرئيسية.

يقول عمر إن التاجر يكون أثناء ذلك قد أجرى مفاوضات متعددة مع العديد من الكتائب المحلية التي تقيم بواباتها على الطريق الرئيسي، لينسق معها أمر مرور بضاعته، ويعني التنسيق هنا دفع إتاوة لبعض الكتائب وتقديم هدايا لأخرى، أحيانا لا تستجيب بعض الكتائب لمفاوضات التاجر، مما يضطر معه عمر إلى قطع الطريق الرئيسي بشكل متقطع يجنبه المرور ببوايات الكتائب التي لم تتفاهم مع التاجر.

يقول إن وقوعه في قبضة هذه الكتائب قد يكلفه حياته فضلا عن بضاعته، ولكن هذا نادر الحدوث بحسب وصفه، فعادة ما تستجيب الجماعات المسلحة وتسمح بمرور مختلف البضائع بالشكل المرضي للطرفين.

بعد التوم يتنقل عمر إلى النقازة وهي منطقة جبلية تقع فيها عدة بوابات أمنية، ومنها يمر عبر الويغ التي تبعد قرابة 200 كم شمال منفذ التوم الحدودي، هناك تصبح الطريق رملية بسبب تضررها بعوامل التعرية والزمن، ومنها يواصل إلى تجرهي مسافة 30كم ثم القطرون75كم، ثم تستمر الطريق عبر أم الأرانب تراغن غدوة وأخيرا سبها حيث يسلم بضاعته في حي المهدية أو طيوري أو حجارة.

هذه الطريق ليست طريق عمر وحده، بل هي الطريق التي يسلكها أغلب مهربي المخدرات عبر الجنوب الليبي إلى سبها، وفي المدينة تتوزع أماكن تخزين وبيع المخدرات، فبحسب تصريح مصدر أمني خاص من جهاز مكافحة المخدرات بسبها، فإن البضاعة تتوزع في شوارع معينة بأحياء المهدية وحي القراد وسكرة وحي ال85، ويتم التوزيع بشكل منتظم عبر شبكة معقدة من البائعين الصغار، وبعضها تباع في محلات تجارية بشئ من التمويه حسب وصفه.

واقع عمر وأمثاله يعبر لنا عن مشكلة حقيقية تعيشها المدينة تضاف إلى جملة تلك المآسي، فعد عودتي للمدينة زرت الشاب الذي يعيش في وضع اقتصادي جيد، فقد جلب له العمل في تهريب المخدرات الحظ السعيد كما يقول، أصبح يملك سيارة جميلة وأكمل بناء منزله ويستعد للزواج، ذلك الإثراء السريع والخطط الاقتصادية القائمة على ريع تهريب المخدرات يُعدُ من المعضلة الحقيقية في مآساة عمر ومن على شاكلته، حيث تستهوي قصته العديد من شباب المدينة الذين فقدوا الأمل في تحسن أوضاعهم الاقتصادية التي تتراجع دوما مع اشتداد أزمة البلاد.

الفقر والحاجة سيدفع بهولاء إما للإدمان أو للإتجار بالمخدرات، في ظل غياب رؤية واضحة تستهدف شباب المدينة وتحاول إبعادهم عن تلك الثنائية المقيتة والمميتة في آن.

التدوينة طريق حرير تجاة المخدرات جنوب ليبيا.. رواية تاجر ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “طريق حرير تجاة المخدرات جنوب ليبيا.. رواية تاجر”

إرسال تعليق