طرابلس اليوم

الاثنين، 30 أكتوبر 2017

للسائلين عن أهداف فبراير

,

عبد المجيد العويتي/ كاتب ليبي

يتسائل كثيرون عن أهداف ثورة السابع عشر من فبراير ، فيجيبهم واقع قد يرونه صعباً ممزوج بآلام ومحن ومصاعب مرت على هذا البلد إبان هذه الثورة ، فلقد وضع كل منا هدفاً معيناً له خرج على إثره ملتحقاً بهذا الثورة لتلبي طموحاته وأماله ، ولهذا يذهب كثير منا إلى أن الثورة لم تحقق أهدافها انطلاقاً من عدم تحقيق هدفه هو وما خرج لأجله .

قبل الإجابة عن السؤال القائل ( هل للثورة أهداف ؟؟ ) علينا أن نتقارب مع مصطلح الثورة نفسه ، لماذا سميت بالثورة وما هي مفردات الثورة وماذا عن ثورات التاريخ السابق .

هناك تعريف كلاسيكي للثورة وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية (( وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة )) ، إذاً من يقوم بالثورة هنا هي الطبقة الكادحة من الشعب والتي قررت أن تقود النخب نحو التغيير دافعة الثمن دماً وسمعة .

وبالنظر إلى الحالة الليبية و منذ اعتلاء معمر القذافي سدة الحكم في ليبيا بعد إطاحته بالملك إدريس السنوسي ذات سبتمبر ، ما فتأ وإن ظهرت مساوئه ومغامراته الجنونية للإطاحة بالدولة في مفهومها العادي ليحل محلها دولة الفوضى و اللامؤسسات ، بدأت حينها المحاولات الاولية لتصحيح الوضع القائم فبرزت محاولات النصح في بداية سنوات حكمه وما قابلها حينها هو بمزيد من السخط على الناصحين ، وتوالت المحاولات التصحيحية عبر مثقفين ونخب في مختلف المؤسسات وأهمها الجامعات الليبية فقوبلت بالرصاص الحي نهاية السبعينيات في ما عرف لاحقاً بمجازر السابع من إبريل ، وكان للبعض الآخر رأي وطريقة مخالفة فبدأت تطفو محاولات الانقلاب العسكري عبر ضباط في الجيش ليغيروا من الحال فقوبلت بالعنف والتصدي لها عبر الخلايا النائمة المندسة في ثكنات العسكر ناقلة كل حركة وهمسة لقائدها الذي كوى غيره سابقاً بها ولم تجدي نفعاً فهو ابن هذه الطريقة ، ومحاولات أخرى كالاغتيال المباشر لشخصه في عدة مناسبات وهو ما انتهى بالفشل في مجمله ، ولعل أخر محاولات الاصلاح والتغيير لواقع مر عاشه الليبيون مكتوين من خلاله من غياب مفهوم الدولة المستقرة والحالة الاقتصادية الصعبة والاجتماعية المتدهورة هو محاولة الإصلاح من داخل النظام نفسه عبر ما عرف ببرنامج ليبيا الغد الذي وضع في واجهته نجله سيف الاسلام والذي ما بدأ حتى أعلن عن فشله إما بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر ما قيل أنها استماتة رجالات نظام القذافي حينها في مواجهة هذا الإصلاح الذي ربما ينهي حياتهم السياسية ويحرمهم من ميزات القيادة الفوضوية التي كانت سائدة حينها والتي تعتمد على الولاء لشخص القذافي .

انتهى بهذا الأخير كل فصول ومحاولات التغيير سواء السلمية أو الحدية أو التغيير من داخل النظام نفسه ، ولم يبقى من كل المحاولات إلا أن تقوم الجماهير حسب التعريف الكلاسيكي للثورة بقيادة كل تلك النخب التي فشلت محاولاتها والانقضاض على النظام ومحو أثره من على الخارطة السياسية لليبيا ، وهذا ما كان .

لكل محاولة أقل تأثيراً من تأثير الثورة هنالك أشخاص خططوا لعملهم فالبتالي وضعوا أهدافاً لخطوتهم ورسموا استراتيجيتهم واستشرفوا الحلول لمآزقهم وانطلقوا ، وهذا ما لا يتوفر في فعل الثورة ، فالثورة فعل يقوده الناس بلا وعي تخطيطي ولا أي مسؤولية مستقبلية ، هو فعل أخلاقي ينم عن حاجة الشعب المحتك بشكل مباشر من تبعات ظلم وطغيان وسطوة الطاغية وجلاديه ، وفعل يراد به التخلص من أساس السوء كما يراه الناس والذي يأملون من بعد الإطاحة به بزوال كل أسباب ما عاشوه من ظلم وظنك عيش وتوزيع عادل للآلام .

لا يجلس للثورة قيادات تخطط ولا مجالس تترجم ما خطط له ، فلقد كذب كل من معمر القذافي وجمال عبدالناصر يوماً حينما ألبسا انقلابيهما ثوب الثورة ، فلقد زار صحفي عراقي ليبيا بعد البروباجاندا الإعلامية لإعلام القومية العربية حينها بالترويج لمعمر القذافي كقائد لثورة ولانقلابه كثورة ، فزار طرابلس وبنغازي ومدناً أخرى ليكتب تقريراً لحساب صحيفته لينقل التجربة ، فعندما عاد إلى بغداد كتب في تقريره الصحفي جملة مقتضبة باللهجة العراقية قائلاً (( أكو دم .. أكو ثورة )) بمعنى هناك دم .. هناك ثورة ، فقد كان وقتها كل شيء مرتباً ويسير بطريقة اقرب للعادية ، فهو عمل نتج عن تخطيط ودراية وتدبير بليل .

لا يوجد أهداف للثورة !! هو هذا الجواب .

للثورة مهمة محددة تنادي بها الجموع بعد فشل النخب يختصرون فيها كل المطالب في جملة واحدة هي (( الشعب يريد إسقاط النظام )) ، ويترك لكل ثائر الحق في اختيار سببه للخروج ، فمنهم من خرج للعدالة الاجتماعية ومنهم من خرج لحق مادي ومنهم من خرج لانتقام شخصي ومنهم من خرج حالماً ببلد رائع وجميل .

الثورة ليست مسؤولة عن نجاح أو إخفاق يجيء بعدها ، فكل معادلات ومعطيات النتيجة تكون الحالة القبلية والحالة البعدية هي المسؤولة عنها ، عن المال و الكهرباء والماء والبنزين والأمن والتعليم والصحة ونزاهة القضاء وغيرها ، أما هي حالة ثوران آني قد لا يحمد عقباها ، يقودها الناس يستفيد منها الجبناء ويحمل سمعتها النخب ، والنخب هم مربط الفرس .

فلمن فهم المغزى أقول (( كفوا عن ذم فبراير )) .

التدوينة للسائلين عن أهداف فبراير ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “للسائلين عن أهداف فبراير”

إرسال تعليق