طرابلس اليوم

الأحد، 23 يوليو 2017

تُجار الحروب ومضاربي السلام

,

 

عبد الفتاح الشلوي/عضو المؤتمر الوطني العام السابق

بين دفتي الحرب والسلام تتبرعم جسور المكاسب الخاصة، وتنتشر بكتيريا الذات، يتورم الجشع، فيقفز التجار لمرحلة الهضم، ويساوم المضاربون على عناء القضم، لا خلاف ولا اختلاف بين التجار والمضاربين، بين الحرب والسلام خيط عنكبوت، وبين الكذب والصدق واو العطف، فالمنطلق واحد، والأهداف مشتركة، يجمعهم الدنو الأخلاقي، ويوحدهم السقوط القيمي، يتاجرون ويضاربون في كل شيء، ولا يهملون شيئًا كبيرًا كان أم صغيرًا، بدايةً من إطعام الجند، وتوفير التجهيزات، والتهليل والتطبيل، بكلمات التعازي، ودموع التأبين،  والبيانات المتحولة، وهندسة بوستات خلفية الجمع، بالمنصات، والساحات، يكيفون سقوط الضحايا، ويشكلونه كما يروق لهم، وحسب ما تقتضيه منافعهم، يقدمون حروبنا الداخلية التي لم يخترها الشهداء، ولا القتلى، أو الأموات، وحتى الهلكى، يصنعون الاقتتال المنظور، لأجل ما هو غير منظور، يتلاعبون بالألفاظ، وينمقون الكلمات، وينهلون من قعر الموروث، بسوقهم للحِكِم والأمثال، وإلهاب الاحاسيس، بأبيات الشعر، ونبش الماضي، والنفخ في كل ما هو مظلم، بل يستدلون بوحي السماء في غير موضعه، وبغير ما أنزل .

 

يبدأ التجار بتأجيج لغة الحرب، والضخ بكيرها، والعويل حول رمادها، فيدفعون كل شيء بأتونها، إلا هم، وأحبابهم، وفلذات أكبادهم، ويستخدمون مجانيق اللؤم، للقذف بضحاياهم داخل لهيبها، وعينهم على مكتسباتها، لا غرابة أن نتحدث عن تجار الحروب، فالمنطق يصنفهم من خلال قذارتهم، هنا وهناك، عبر تاريخ البشرية، يغزلون من دماء الأبرياء حللاً لخيلائهم، ويرسمون بألون مآسيها مستقبلاً لهم ولأبنائهم، ولا يقل عنهم دناءة مضاربي السلام، فإذا كان المنتفعون ينفخون بنار الأحتراب، فدعاة السلام يدلقون الزيت عليها، ومع هذا هم مضاربون، باستثناء أصحاب النوايا الحسنة، الحالمين بكتم أنفاس الحرب .

 

لكننا هنا نتحدث عن صنف جديد ملوث بفيروسات من جيل جديد، مازالت المجاهر الإلكترونية لم تحدد هويته بعد، لكن سمته يتمثل بصلابة الوجه، وفقدانه للحياء، يطالبون بالسلام متى كان يصب ببطونهم وجيوبهم، ويقفون ضده متى ظنوا أنه قد يسلبهم كرت اتصال، أو علبة مشروب منتهية الصلاحية، هذه الفئة الحقيرة تملك من الانحطاط والنذالة ما يجعلها تتصدر شاشات التلفزة وتتحولق على طاولات الحوار، السياسي، والفكري، والثقافي، يبدون بمظهر الحمل الوديع، ويتشيطنون بلؤم الثعلبة والمكر، يمتزجون بالتحربن، فتقطر ألسنتهم بحلاوة القول، ويلف قلوبهم ران البغض والحقد، مهما طال الدمار أطراف الديار، ومهما اكتوى بأفعالهم الصاحب والجار، فيُسعرون للحروب، لأجل المضاربة بالسلام، والويلات هي سُلم الغايات، لأجل التربع على كرسي سفارة، أو قيادة شركة أو مؤسسة خاوية على عروشها، الأمي، والجاهل، والعالم، والمثقف، والكاتب، والدعي، يمكن أن يجمعهم ذلك، فالمسميات لا تحول دون السقوط، القيم والاخلاق تفعل ذلك،  الحقير حقير، بالحرب كما بالسلام، وإن كان بالسلام تفوح منه نار السموم، وهو أشبه بحافظة الحرارة، باردة من الخارج، تغلي من الداخل، لك أن تلامسها وتتوسدها، وأنت تجهل حقيقتها، هذه الأصناف تتحدث في كل شيء، وتخوض في كل الأمور، ليس من باب انتفاخ الآنا، وعلو النرجسية، وإنما لأجل دك طريق تحقيق المصالح، وحفر انفاقها  .

 

لم تسكت البندقية منذ فبراير 2011م، وكانت هي لغة الحوار، وطريق التفاهم، وفي بعض الأحيان عند طرح المشاريع والمبادرات، فاكتوت ليبيا بهذا المنطق المعوج، والذي لم يفتقد المُسوقين والمطبلين له، فما أن تلوح بارقة أمل لصمت وسائل القتل، ولجم أدوات الدمار حتى يهرعون للوسوسة بزنادها، ويؤزونها أزًا، يمنونها، ويعدونها، فساء القرين والغرور، وهم سواء، من كان منهم علي ضفاف المحيط، وبفنادق الدفع المسبق، ومننجعات الميت والحي، أو ممن يلازمون الوطن ولا يسكنونه،  يروننا وقبيلهم من حيث لم نرهم، إلا بثيابهم الملائكية،  وسرابيلهم الشيطانية، ونفوسهم تقطر شرًا، وتنضخ فتنةً، حتى من خطفت الحروب أحبابهم في غفلة وهم هائمون بكرنفال التأجيج، يتاجرون ويضاربون،  ولا نخص هنا فئة بعينها، ولا توجه دون سواه، ولا أيديولوجيا دون الأخرى، الجغرافيا كذلك، اتحدث عن كل من هو مشمول بهذا السمت المشين، كائنا من كان، في غرب البلاد وشرقها وغربها، من قدم مصالحه وغفُل عن أن ليبيا تتسع للجميع بإمكانياتها، ومن ناصب العداء لأجل منطقته، وقبيلته، ومنطلقه، ومن يقرع طبول الحرب لأجل عودة مُلكٍ زال، ومن يطوب لمشروع خارجي، بعلمه أو بجهله،   ففاتورة الموت مازالت مفتوحة، وقائمة السداد يُثقلها شبابنا، شهداء وأموات وقتلى، بضاعة بدون اعتمادات مستندية، وحاويات فارغة، كما يراها تجار الحروب ومضاربو السلام، وأن نشيد بأصحاب النوايا الحسنة من الساعين الحقيقيين لتحقيق السلام في ليبيا، نرفع لهم التحية والتقدير، بالقدر الذي نزدري فيه من سبق ذكرهم بسوء أفعالهم.

التدوينة تُجار الحروب ومضاربي السلام ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تُجار الحروب ومضاربي السلام”

إرسال تعليق