طرابلس اليوم

الأحد، 23 يوليو 2017

رأيي صــواب لا يحتمل الخـطــأ !!

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي
درسنا في الثانوية أنواعاً كثيرة لورود (نسبة الخطأ) على العلوم التطبيقية ، والتي في مجملها _التطبيقية_ تشكل يقيناً جازماً لأنها تعتمد على الحس والتجربة  والحسابات في الاستدلال والاستنباط .
فمن نسبة الخطأ المعـيــاري فــي الإحـصــاء
إلى نسبة الخطأ في قياس مقاومة التيار في الفيـزياء
إلى نسبة الخطأ في السقـوط الحر في الــدينــاميــكا
بل هناك من تكلم عن دقة العلوم التطبيقية فضلاً عن العلوم الإنسانية أمثال دايفيد هيوم وكارل بوبر واعتبر حدودها ليست بتلك الدقة المرسومة في الأذهان .
بهذه المعرفة التراكمية يتولّد عند الإنسان مساحة أو هامش للخطأ يراعيه في رأيه وحكمه على الأشياء والظواهر ، فلا يعتد برأيه اعتداداً مفرطاً ولا ينسف الآخرين وآرائهم ؛ بل يجعل بين هذا وذاك مسـاحة للأخذ والرد والنظر و التحوير .

فالاعتداد المفرط بالرأي وجعله في مرتبة ما نزل من السماء أو خلط المسائل الاجتهادية بالقطعية ، وتنزيل الفروع وما يسوغ فيه الاختلاف منازل اليقينيات ينشأ عنه مجموعة من التصورات تحاكم الآخرين على أساس غير سليم و ربما تبنى الآخر رأياً وبنفس الطريقة  ؛ فنبدأ بسلسلة محاكمات يتقاذفها الفريقان ؛ فيكون قول المتنبي حاضراً   :
كـدعـــواك كــل يدعـي صـحة العقل
ومن ذا الذي يدري بما فيه من جهل
وقديماً قالوا من كثر علمه كثر توقفه و قل إنكاره .
ورحم الله الإمام الشافعي عندما أرسى هذه القاعدة ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب ).

فيجب أن نترفق في  وصف الحقيقة  ،  فإن الأفكار تعصف بنا عصف الرياح الهوجاء ، والآراء لم تدع عقلا” إلا زارته مرتين .
مرة بعينه ودليله وأخرى بنقيضه وبرهانه فيتحول موقف صاحبها بعدها غيره قبلها ، فقد تلبدت سماء الأفكار بغيوم الشك والنسبية ، ما تصفه بل ما تراه لا يلزم أن يكون هو عين الحقيقة .
فكذا الشمس التي كانت مضرب المثل في الوضوح وهي الساطعة التي تمد الأرض بالنور والدفء ، كانت موضع خطأ واشتباه عندما ظننا أنها هي التي تدور ونحن الثابتون .
إن الخطأ في التفسير والاستقراء وارد وتحمد لصاحبه المحاولة ، ولكن مالا يحمد هو التعنت والرسوخ في الاعتقاد بها إلى درجة الاستعداد لإنزال الموت بالآخرين مقابل بقاء هذا الاعتقاد .
جميعنا يتغنى بالاختلاف ولا ننزله منازله ولا نرى له حقا” في معايشنا ونحصره في رأيين لكبار الأئمة في أبواب الطهارة أو الصلاة .
بحر الاختلاف أوسع بكثير مما نظن يتجاوز مفهومنا البسيط ليتجسد منذ ابن آدم الأول في الفكر والثقافة والتاريخ ، في العلم والمعرفة في الفقه والطب والرياضيات ، ليتجسد في العلوم الطبيعية والإنسانية حتى صار من الصعب عليك أن تضبط حدود هذه العلوم بحدود واضحة متينة ، فكيف بأفكار وآراء ومواقف هي وليدة اللحظة تشوبها المصلحة الخاصة ويعتريها التقدير الشخصي و تزاحم واقعا” مرتبكا” وأحداثا” يعج بها الوطن والأمة والعالم ، ومعلومات يغلب عليها الظن والتخمين ،   تبرز فكرتان فتعتلجان في ميدان الفكر والعقل ، وللتطبيق بعدئذ ميدان آخر .
فيا رجال الفكر والدعوة وقادة التيارات وأصحاب الظهور الإعلامي رفقا” بالشباب فإن له خيالات فائرة ونفسا” محمومة ، ورفقا” بالعجائز والشيوخ فإن لهم إيمانا” صادقا” وقلوبا” مرهفة ولكن سددوا وقاربوا واجعلوا للخطأ في آرائكم موضعا” ونصيبا”.
ولندع جميعا” بدعاء واحد …يا الله اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين
 

التدوينة رأيي صــواب لا يحتمل الخـطــأ !! ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “رأيي صــواب لا يحتمل الخـطــأ !!”

إرسال تعليق