طرابلس اليوم

الاثنين، 19 فبراير 2018

تغيير  الأفكار  وتطوير الأساليب

,

عبد القادر الاجطل/ كاتب وصحفي ليبي

الطريق التي سلكتها في السابق ووصلت في نهايتها إلى حافة حفرة عميقة وهاوية سحيقة أوشكت على الوقوع فيها، لا تعاود السير فيها مرة أخرى مهما استأنست بالمناظر المألوفة والدروب المرصوفة التي في بدايتها، فسوء نهايتها وعمق الهاوية التي تفضي إليها يكفي العقلاء لتجنبها.

كتاب قرأته وأمضيت وقتا غير يسير في مطالعته، وفي منتصف الكتاب أدركت أن الكاتب يستهزأ بعقلك ويتلاعب بمشاعرك، فلا تكمل القراءة إذا كنت ممن يحترم عقله ويهتم بوقته، ولا تستمع مرة أخرى لمن يوصيك بقراءته ويثني على الكتاب ويكيل المدائح لكاتبه.

الهلاك

إذا ركبت البحر في قارب مثقوب فإن المصير الذي ينتظرك هو الغرق، الأمر ليس اختراعا، أما إذا عاودت الإبحار على نفس القارب المثقوب ولكنك اصطحبت معك غطاء رأس يقيك الرذاذ الذي يقذفه الموج لدى اصطدامه بقاربك، فإن نفس المصير ينتظرك وربما خلال مدة قصيرة ستكون طعاما للأسماك.

السائقون الذين يستمتعون بالقيادة بسرعة جنونية يتعرضون غالبا لحوادث طرق، فإنهم إن نجو من تلك الحوادث وعاودوا قيادتهم للسيارات بسرعة كبيرة دون اعتبار بما أصابهم ولا تغيير لطريقة قيادتهم، فربما انتهت حياتهم على إحدى الطرقات في حادث سير آخر.

ويمكن القول هنا إن الحديث النبوي الذي رواه البخاري ” لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين”  هو تحذير من تكرار الأخطاء وحث على تجنب الطرق المؤدية إلى الأزمات والموقعة في المشاكل.

التعصب

كما أن اعتداد البعض بنفسه، وحديثه المسهب عن نقاء عنصره، وسمو قومه الذين ينتسب إليهم، واحتقاره للآخرين ممن لا ينتسبون إلى قبيلته وليسوا من سكان مدينته، قد يورث الضغائن ويثير الحزازات، وربما أشعل العداوات وأوقد الفتن بين الناس،

ولا يعالج هذا الداء العضال بتعصب مقابل، ولا بدعاوى عريضة من الأقوام الآخرين، فذلك سيفاقم المشكلة دون ريب، وربما أوقد نارا أشد تأتي على الأخضر واليابس.

تغيير الأساليب القديمة

أما الزعماء والقادة الذين يتصدون لمواجهة الأزمات التي تعصف بالدول، فإن استنادهم إلى نفس العقول التي كانت سببا في صناعة الأزمة، هو من الإصرار على استمرار الأزمة وليس محاولة لتجاوزها، بل إن تكرارهم لنفس الطرق والأساليب التي أوصلت البلاد للحرب الأهلية أو أدخلتها في ركود اقتصادي أو تسببت في هزيمتها عسكريا أمام عدو خارجي سيخلف المزيد من النكبات، حتى ولو غيروا أشخاص المتسببين في كل ذلك، إنهم ما لم يغيروا الطرق والأساليب والخطط الطويلة والقصيرة والإجراءات التي سيعتمدونها للخروج بالبلاد من حال إلى حال أفضل، فما لم يؤمنوا بذلك ويضعوه موضع التنفيذ فلن يحققوا ما هو مأمول منهم.

نُقلت كلمةٌ لأينشتاين عالم الفيزياء المعروف، وصاحب نظرية النسبية التي جاءت عقب نظرية نيوتن، وتداركت النقص الذي لاحظه العلماء في قدرة نظرية نيوتن التفسيرية لعديد الظواهر، أينشتاين يقول: إننا لن نتمكن من معالجة المشكلات التي تعترضنا بنفس طريقة التفكير التي كانت سببا في حدوثها.

سراب  المستشارين

لن ينجح المستبدون بآرائهم الذين لا يستشيرون من يقدم لهم الرأي السديد، بل يشاورون من يزين لهم كل ما يهوون، ويمتدح ما يتفوهون به من ترهات، ويصف أفعالهم وأقوالهم بغير ما تستحقه زورا وبهتانا، بل سيكون الفشل الذريع حليفهم.

وكذلك فإن الفشل سيحالف الزعيم الذي يتخذ مستشارا منحازا إلى هواه، ذلك المستشار المجتهد في تزوير الحقائق، من أجل إقناع رئيسه بأن كل المختلفين معه هم من أراذل الناس، وأن مكانهم الصحيح هو غياهب السجون، ويظل الليل والنهار يؤزه على معاداتهم ويزين له استئصالهم.

أما المدير الذي يسمح للمتملقين الذين لا يغادرون مكتبه منذ دخوله إليه وحتى مغادرته له، ذلك المدير الذي ينصت إلى هؤلاء المتملقين، ويجعل تقييمهم هو التقييم الوحيد، ورأيهم هو الرأي السديد، ولا يعتبر من أخطائهم المتكررة وتجاربهم العاثرة،

بل على العكس من ذلك فهو يعد انتكاساتهم السابقة رصيدا يعزز  مكانتهم عنده ويفتح أبوابه أكثر لهم، فإنه يستعجل قرار فصله، أو إغلاق مؤسسته.

فالقائد الذي يرضى بتكرار الأساليب التي أوقعت الدولة في الأزمات وجعلتها تتنقل بين النكبات، والرئيس الذي يقرب من يشايعونه ويباعد من يناصحونه، والمدير الذي يستمع إلى متملقيه ولا ينقب عن منتقديه، والمسؤول الذي يستسهل اجترار التوجهات والسياسات التى سلكها سابقوه بغض النظر عن النتائج التي أفضت لها، كلهم ليسوا مؤهلين لتحقيق أي إنجاز لافت على أي صعيد، ولكنهم في معظم الأوقات سيستنزفون ما تبقى من موارد، ويقضون على ما تبقى من أمل في نفوس المرؤوسين.

خطورة المطامع

أما ذلك المتنفذ الذي حظي بثقة محبيه، تقديرا لمرحلة من مراحل نضاله، وإعجابا ببعض مواقفه في أوقات الشدة، فإنه سرعان ما سيخسر تلك الثقة عندما يتخلى عن المبادئ التي ناضل مع الآخرين في سبيلها، وسيجد نفسه محاطا بأصحاب الأغراض الذين لا يرون فيه إلا جسرا إلى بلوغ مطامعهم وتحقيق مآربهم.

الحياة أقصر من أن تمضي عقدا أو عقدين من عمرك تُكرر الأخطاء الفادحة التي تسببت لك في الخسران وأوقعتك في المشكلات، والاعتبار قد يغنيك عن كثير من المواعظ التي يدبجها الناصحون حينما يرونك ملقى أرضا نتيجة تعثرك في الحجر البارز أمام بيت جارك للمرة الخامسة أو السادسة، ولو كنت أزلته منذ تعثرت فيه أول مرة لما وجدت نفسك في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه. “

التدوينة تغيير  الأفكار  وتطوير الأساليب ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تغيير  الأفكار  وتطوير الأساليب”

إرسال تعليق