محمد تنتوش/كاتب ليبي
أعلنت القيادة العامة للجيش الليبي التابع لمجلس النواب بالأمس تحرير مدينة بنغازي بالكامل وهو ما يعني أنه لم يعد في بنغازي مواجهات مسلحة وأن العمليات العسكرية بها قد انتهت بشكل نهائي تقريبا .
ما حصل في بنغازي خلال الأعوام الثلاثة الماضية كان مأساويا للغاية فالعمليات العسكرية و الدمار انتشر في اكثر من ثلثي المدينة تقريبا، وحجم الضحايا من البشر كان كبيرا جدا ايضا وبشكل متساوي كان حجم الشرخ في النسيج الاجتماعي للمنطقة الشرقية بالذات غير هين بل اجزم أن الأمر قد شمل كل ليبيا فالعمليات عندما انطلقت في المنطقة الشرقية أثرت على الاوضاع في المنطقة الغربية والجنوبية ايضا حيث انطلقت عمليات عسكرية اخرى ولو أنها انتهت بشكل أسرع مما كان عليه الوضع في بنغازي .
يمكنك أن تصنف المتقاتلين في بنغازي كما شئت كما كان عليه الوضع في المنطقة الغربية والجنوبية ، لكن لا يمكنك انكار ان كل صف من المتقاتلين له فئة اجتماعية مرتبطة به سواء أسر المقاتلين و أقربائهم أو ضحايا فوضى الحرب من المدنيين سواء أولئك الذين كانوا ضحايا القصف العشوائي او الآخرين الذين كانوا ضحية التصنيف لأي من الطرفين بالتالي كانوا عرضة للخطف والاعتقال والقتل والتهجير .
المعركة في بنغازي ليست في إطارها العسكري فقط بل في نظري هي أكبر من ذلك كما عليه الحال في الغرب الليبي وكامل البلاد . لقد قلت هذا الكلام في مقالات أخرى وبصيغ مختلفة أحيانا وسأكون هنا أكثر وضوحا وضربا للأمثلة لأن تجربة 7 سنوات ما بعد 2011 كافية لوجود أمثلة من الداخل الليبي للموعظة دون الحاجة لنضرب أمثلة من تجارب جنوب أفريقيا أو لبنان أو غيرها .
المعركة في كل ليبيا و خاصة في بنغازي على اعتبار أنها تتصدر المشهد في هذا الوقت هي معركة ضد الذات ، ضد الأنا ،ضد الشرخ الاجتماعي، ضد ثقافة المنتصر الذي يحكم كيفما أراد وبما أراد دون احترام قانون أو شرع أو حقوق الآخرين .
ليس هذا المقال للحديث حول من كان صاحب الحق في حرب بنغازي بل هذا المقال هنا للتأكيد على تجربة عالمية لها شواهد محلية تفيد أن اتخاذ مسار يعتمد على عدم التعامل مع الطرف الآخر المهزوم في المعارك العسكرية على اساس من النظر في قضيت أَسراه أو المعتقلين بتهم تأييد أو دعم الطرف الآخر بطريقة قانونية أمام المحاكم وأن أي محاولة إقصاء أو قمع لمن يرتبطون بالمقاتلين بصلة قرابة أو غيرها . اتخاذ مثل هذا المسار ستكون نتيجته اعادة دورة الحرب من جديد و الدخول في صراعات سياسية وعسكرية متجددة ودائمة ان لم تعالج حالة الحرب وآثارها بطريقة نهائية .
لقد استمر القذافي في الحكم أكثر من 40 سنة قضى فيها على كل صوت معارض وكل محاولة انقلاب وكل محاولة لعمل عسكري متخذا بذلك مسار يقضي بعدم السماح لأي احد بالتعبير عن نفسه ولو بمحاولة الدفاع عنها في محكمة ما وعلى ذات المنهاج كان مبارك و بن علي وعلى ذات المنهاج كان المستعمرون والكثير من الامبراطوريات والدكتاتوريات السابقة والنتيجة دائما كانت ذاتها وهي سقوط هؤلاء القادة ودكتاتورياتهم، لك أن تقول ما شئت عن أسباب سقوط هؤلاء الزعماء لك ان تقول انها مؤامرة عالمية أو ماسونية لكن لا يمكنك ان تنكر أن وجود اشخاص معارضين يعيشون حالة من القمع والاقصاء لعب دوره في سقوط اولئك الزعماء واذا تبنيت نظرية المؤامرة بشكل رسمي فبإمكانك ان تفهمها على اساس أن وجود أي قوى معارضة لك لا تستطيع التعبير عن نفسها بالطرق الطبيعية الديمقراطية سيتم استغلالها من قبل كل من لك عداوة معه على المستوى العالمي .
لذلك فالأولى أن تحاول بنغازي ومعها ليبيا مد يدها لكل فئات المجتمع بغض النظر عن مواقفهم من الحرب والحرص على ان يحصل الجميع على معاملة عادلة ، والافضل ان يحدث هذا قبل تعود هذه الفئات ولو بعد سنوات طويلة لدوائر الحرب الأولى وسط حالة دولية وسياسية واقليمية مختلفة ينقلب معها الحال ليصبح المنتصر مهزوما والمهزوم منتصرا .
التدوينة هل انتهت معركة بنغازي ؟؟؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.