طرابلس اليوم

الخميس، 12 أكتوبر 2017

تنظيم الدولة في ليبيا.. مستقبله وحقيقته وقوته وحضوره الجغرافي في البلاد

,

يعد انتشار قوات تنظيم الدولة في العديد من المدن الليبية وسيطرته على البعض منها، من أكبر وأشد الأزمات التي شهدتها البلاد بعد ثورة 17 فبراير عام 2011.

وظهرت قوات تنظيم الدولة للمرة الأولى في ليبيا العام 2014، مع سقوط الدولة في دوامة الحرب الأهلية، وضم التنظيم نحو ستة آلاف مقاتل، بحسب ما ذكرت تقارير دولية ومحلية.

بدايات التنظيم في ليبيا

وقد تشكل التنظيم في بدايته من مجموعات جهادية متناثرة في كل من درنة وبنغازي وإجدابيا وضواحي سرت، فضلا عن انضمام مجموعة من جماعة أنصار الشريعة، وتمكنت هذه مجموعات من توحيد صفها والانطواء تحت مسمي “تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا” تحت إمرة القيادي أبو المغيرة القحطاني والذي جاء إلى ليبيا بداية عام 2015، رفقة أبو معاذ التكريتي، وكلاهما أرسى سياسة التنظيم ونظم صفوفه ووضع خطته الإدارية في إدارة المدن الخاضعة لسيطرتهم.

وبدأت قوات تنظيم الدولة تظهر في ليبيا علنا في مدن درنة وبنغازي وسرت في عام 2014، وبدأت جرائمه تظهر للعيان في مطلع عام 2015، وشهدت مدينة سرت ارتكاب التنظيم أشد أنواع تلك الجرائم.

وبعد كل هذه الجرائم، تعرض التنظيم لهجوم شرس في مدينتي درنة وسرت خلال العام الماضي ومني بخسارة قاسية، وفقد أهم موقعين رئيسيين له في ليبيا في درنة وسرت، وقد كانت درنة مركز التأسيس والقيادة والتخطيط للتنظيم بعد معركة أطلقها “مجلس شورى مجاهدي درنة” في يونيو 2015، وشارك فيها أهالي المدينة، فيما تعتبر سرت بوابة التنظيم على أوروبا وبؤرة التجمع للمهاجرين الراغبين في الالتحاق بالتنظيم من إفريقيا.

واستغل التنظيم انعدم جيش وطني موحد والفراغ السياسي وانقسام مؤسسات الدولة في ليبيا، ونجح في فترة من الفترات الاستيلاء على أجزاء من ليبيا وتحقيق بعض النجاحات، كما هو الحال في سوريا والعراق، نظرا للفراغ الأمني منذ ثورة فبراير عام 2011.

ووسط صراع مسلح بين العديد من الأطراف التي تقاتل من أجل السيطرة وتعدد الحكومات والسلطات التشريعية والتنفيذية في البلاد، أصبح الوضع في ليبيا أكثر تعقيدا للقضاء على تنظيم الدولة نهائيا رغم هزيمتها في سرت ودرنة.

خطر التنظيم في سرت

وأكد رئيس لجنة تفعيل الأجهزة الأمنية بسرت الملازم الزروق السويطي، وجود خطر وتهديدات لفلول تنظيم الدولة الفارة من المدينة على مقار المؤسسات الحكومية في سرت لتعويض خسارتهم في سرت.

وقال السويطى في تصريحات إعلامية، إن فلول التنظيم الفارة من سرت تتخذ من أودية جنوب المدينة مرتكزًا لها لشن هجومها، مضيفًا أنهم خطفوا في وقت سابق سائقي سيارات الوقود والمسافرين.

وأشار إلى أن افتقار الأجهزة الأمنية للدعم وفر مناخًا ملائمًا لهذه الفلول لإعادة تشكيل صفوفها من جديد، داعيًا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلى تحمل مسؤولياته وسرعة دعم الأجهزة الأمنية لتتمكن من مطاردة هذه الفلول قبل أن تزداد قوتها وتبدأ في التغلغل من جديد.

واعتبر رئيس لجنة تفعيل الأجهزة الأمنية بسرت، أن استمرار حالة الفوضى في ليبيا وعدم الاستقرار السياسي يزيدان من فرص زيادة القلق من إمكانية نجاح الفلول في تنظيم صفوفها وشن هجماتها من جديد، على حد قوله.

إمكانية إعادة صفوفه

وتساءل موقع “ذا ميديا لاين” الأميركي المعني بقضايا الشرق الأوسط، عما إذا كان الفراغ السياسي الموجود حاليًا في ليبيا يمثل فرصة لتنظيم الدولة لإعادة ترتيب صفوفه في البلاد، أم لا؟

وذكر الموقع، أن جنوب ليبيا أصبح أرضًا خصبة لعدد من “الميليشيات والجماعات الإرهابية” التي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي وتنقسم في ولائها إلى الفصائل الرئيسة، وقال في هذا الصدد: “إن الفراغ السياسي يجازف بالسماح لتنظيم الدولة باستعادة موطئ قدم له في البلد، وسط خسائر فادحة في العراق وسورية”.

ويرى الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية فرانشيسكو ستازاري، أن سرد تنظيم الدولة للأحداث في ليبيا “يوضع في إطار يناسب الأهداف التي يسعى اللاعبون الرئيسيون لتحقيقها”، بحسب ما نشر موقع “البي بي سي” البريطاني.

ويعتقد ستازاري، أن التنظيم الدولة يمكنه تحقيق بعض النجاح من خلال تجنيد مزيد من المقاتلين واستغلال الكم الهائل من الأسلحة في ليبيا في ظل الصراع بين الحكومتين اللتين تحاولان التخلص من بعضهما البعض.

وقال الباحث في المعهد النرويجي للشؤون الدولية: “إذا لم تتعامل القوى الإقليمية مع الوضع في ليبيا بسرعة فسيتحول الأمر إلى فوضى”.

وقال مراقبون، إن الحديث عن القضاء على تنظيم الدولة في ليبيا يصعب تحقيقه على أرض الواقع، نظرا لأن البلاد ليس لديها جيش وطني محايد أو قوة موحدة كبيرة بما يكفي لتوطيد السلطة في جميع أنحاء البلاد، وقد سيستغرق هذا الأمر سنوات عدة لتشكيل مثل هذه القوة.

فرصة ثمينة

ورأى مراقبون، أن استمرار الانقسام السياسي في البلاد سيعطي فرصة ثمينة لتمدد قوات تنظيم الدولة في ليبيا وزيادة قواته، واستغلال الخلاف بين الأطراف المتنازعة، وأكدوا أن الوصول إلى اتفاق ومصالحة بين هذه الأطراف سيضعف من قوة التنظيم وينهيه.

ورجح محللون محليون، أن فلولا تنظيم الدولة الموجودة في الصحراء الليبية ستزيد من الأعمال الإجرامية والانتحارية انتقاما لهزيمتها في المدن التي كانت تحت سيطرتها مثل مدينتي سرت ودرنة.

وأكد أن هزيمة التنظيم في سرت ودرنة لا يعني القضاء عليه في ليبيا نهائيا، شددين على أن إنهاء الانقسام السياسي والمؤسسي في البلاد هو الذي سيقضي على آمل ومستقبل وطموح تنظيم الدولة في ليبيا، حسب رأيهم.

فلولا وخلايا نائمة

وقد كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني إلى تشكيل قوة لمحاربة فلول تنظيم الدولة في المناطق الممتدة من سرت إلى الجفرة، التي تتواجد فيها فلولا التنظيم بأعداد تقدر بالمئات.

ونقل تقرير الأمين العام عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أن تنظيم الدولة مازال نشطًا داخل ليبيا، موضحا في الوقت ذاته أنه لم يعد يسيطر على أراضٍ في ليبيا منذ تحرير سرت في ديسمبر الماضي.

وذكر التقرير الأممي الصادر في نهاية أغسطس الماضي، أن عناصر التنظيم كانت نشطة في منطقة الصحراء وجنوب سرت وجنوبها الغربي، وتوجد خلايا نائمة في أجزاء أخرى من البلاد.

تحذير

وفي الـ20 من الشهر ذاته، حذرت جريدة “ذا تايمز” البريطانية، من أن المئات من عناصر تنظيم الدولة ينظمون صفوفهم من جديد في ليبيا، حيث ينظر التنظيم إليها لإعادة بناء خلافته مع تقلص مساحات سيطرته في سورية والعراق.

ونقلت الجريدة في تقريرها، عن مسؤولين أمنيين لم تسمهم أن هناك قرابة ألف من مقاتلي تنظيم الدولة في ليبيا، معظمهم يتجمعون جنوب مدينة سرت شرق العاصمة طرابلس، معقلهم السابق في ليبيا.

وأشارت “ذا تايمز” إلى ظهور عناصر من التنظيم في المناطق الصحراوية جنوب سرت، مع تدهور الوضع الأمني هناك، بعد أن نجحت قوات عملية “البنيان المرصوص” التابعة لحكومة الوفاق الوطني، في طرد عناصر تنظيم الدولة من سرت، في ديسمبر الماضي.

ونشر تنظيم الدولة، صورًا على صفحة تابعة له في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أظهرت عناصره في نقطة تفتيش جنوب سرت، كما نشرت وكالة أعماق النافذة الإعلامية لتنظيم الدولة، مقاطع فيديو تظهر بوابات لعناصر تنظيم الدولة جنوب منطقة أبوقرين قرب سرت.

ونقلت جريدة “ذا تايمز” البريطانية، عن المستشار الإعلامي لرئيس المجلس الرئاسي حسن الهوني قوله: “لدينا تقارير تفيد بأن مجموعة من عناصر التنظيم يعيدون تجميع صفوفهم جنوب غرب مدينة سرت، المقاتلون الذين هربوا من المدينة خلال العمليات العسكرية يحاولون التجمع مجددًا”.

بدوره قال الناطق باسم قوات عملية البنيان المرصوص العميد محمد الغصري، إن عدد عناصر التنظيم يقارب ألف مقاتل، مؤكدا أن قوات العملية تقوم بدوريات في وادي اللود، جنوب غرب سرت، لرصد أي تحركات محتملة لعناصر التنظيم.

ملاذ جديد

وأضاف محمد الغصري في تصريحات لجريدة “ذا تايمز” البريطانية: “أن التنظيم يبحثون عن ملاذ جديد في المنطقة، أعدادهم تزيد، ولديهم تقريبًا ألف رجل”.

وأوضحت مصادر محلية، أن عناصر من القوات الأمنية في ترهونة يراقبون مجموعات من عناصر التنظيم في المناطق الصحراوية الشاسعة جنوب مدينة بني وليد، في الوقت الذي تجري فيه القوات الأمنية في ترهونة دوريات ليلية لتعقب عناصر تنظيم الدولة وشبكات تهريب البشر والأسلحة.

وذكر أحد هؤلاء العناصر: “أن التنظيم اختار مدينة بني وليد لأنها تفتقر إلى هيكل أمني خاص بها، ولا توجد بها قوات أمنية، ولهذا فمن السهل الاختباء داخلها”، وفقا لجريدة “ذا تايمز”.

سرايا الصحراء

وبعد نجاح قوات عملية البنيان المرصوص في تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم الدولة، أسس التنظيم مجموعة جديدة أطلقت عليها اسم “سرايا الصحراء”، وتتكون هذه المجموعة من مقاتلين ليبيين وأجانب ممن سبق لهم تجربة التنقل باستمرار ما بين ليبيا ومالي، ولهم والخبرة في معرفة الطرق والدروب في الصحراء والممرات الحدودية الليبية.

ومن أبرز قيادات هذه المجموعة جعفر عبدالسلام عزوز المعروف باسم “شرحبيل” والذي قتل في غارة جوية أمريكية جنوب سرت، وهاشم أبوسدرة المعروف باسم “خبيب”، وأكرم الكيلاني وجمعيهم من مدينة درنة، وقد تواجد هؤلاء في مالي مع تنظيم القاعدة منذ العام 2009، قبل أن يعودوا إلى ليبيا بعد ثورة فبراير ليقوموا بنقل السلاح والذخائر للتنظيم طوال عامي 2011 و2012.

وتمكن قياديون من بينهم أبومعاذ التكريتي وعناصر أخرين من تنظيم الدولة، من الهرب من مدينة سرت والالتحاق بسرايا الصحراء، وإعادة ترتيب صفوفهم وجمع السلاح والذخيرة واختيار الأماكن المناسبة للاختباء في ظل مساحة شاسعة تصعب معها عمليات الاستطلاع وتحديد مواقع ثابتة للتنظيم.

جيش الصحراء

وعقب إعادة ترتيب صفوفهم وجمع السلاح والذخيرة واختيار الأماكن المناسبة لهم للاختباء، شكّل تنظيم الدولة ما أسماه بـ”جيش الصحراء”، والذي ينقسم إلى عدة سرايا لكل منها مسؤوليات واختصاصات مختلفة، وقد قدر عدد عناصر هذه السرايا بنحو 400 عنصراً، بعد الضربات الجوية التي تعرض لها في مواقع عدة جنوب سرت، والتي أدت إحدى هذه الضربات إلى مقتل 90 مقاتلا من بينهم القيادي جعفر عزوز.

وتهدف استراتيجية جيش الصحراء إلي إعادة ترتيب صفوف قواته لتوجيه ضربات وعمليات نوعية في مناطق مختلفة داخل البلاد، حيث سيعتمد التنظيم على سياسة حرب العصابات في الانغماس وسط المدن، إضافة إلى استهداف مقرات حكومية.

نهج وطرق جديدة

ويرى مراقبون محليون، أن فلول تنظيم الدولة الموجودة في الصحراء الليبية قد تستمر على نهج العمليات النوعية في البلاد، ولا يتمكن من السيطرة على أي من المدن الليبية، ما لم يطرأ على المشهد السياسي والعسكري مزيدا من الانقسام، وسيبحث عن طرق جديدة من بينها الهجوم على الثكنات العسكرية وسيعتمد على سياسة السطو على الممتلكات العامة وبيعها، للحصول على السلاح والذخيرة.

ويخشى مسؤولون ليبيون وأوروبيون من نجاح التنظيم مرة أخرى في استغلال الفراغ السياسي وانقسام السلطة في ليبيا الذي يستمر منذ سنوات بسبب الصراع على السلطة، ويعيد بناء قاعدة له بعد خسارة كثير من مناطق سيطرته في سورية والعراق.

التدوينة تنظيم الدولة في ليبيا.. مستقبله وحقيقته وقوته وحضوره الجغرافي في البلاد ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “تنظيم الدولة في ليبيا.. مستقبله وحقيقته وقوته وحضوره الجغرافي في البلاد”

إرسال تعليق