طرابلس اليوم

الخميس، 12 أكتوبر 2017

وساوس كوناكري الدموية

,

عبد السلام الراجحي/ كاتب ليبي

في مساء  الرابع من هذا الشهر أكتوبر،  نشر  خبر عاجل على منصات التواصل الاجتماعي و عدد من القنوات مفاده بأن وزارة الداخلية ورئاسة الأركان العامة في حكومة الوفاق  أعلنت عن عملية أمنية عسكرية مشتركة لتطهير جنوب طرابلس من مجموعات مسلحة خارجة على القانون، وتعمل على تقويض الأمن بالعاصمة طرابلس.

هذه المجموعة المسلحة تتبع الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، والتي يقودها بقايا من قيادات النظام السابق التي لم تنشق عليه بعد اندلاع ثورة فبراير 2011.

لم يكن الخبر لدي بغريب رغم أن الكثير من المتابعين استغربوا هذا العمل لقناعتهم بأن المليشيات العسكرية لبقايا النظام غير قادرة على إعادة النظام السابق للحكم والاستحواذ على السلطة من جديد.

وهنا اتفق معهم. ولكن الهدف من هذه العملية ليس عودة المنظومة السابقة، بل أن يكون لهم موطئ قدم في الاتفاق السياسي،  وهنا قد يقول قائل هل إشعال الحروب هو ما سيحقق هذا الهدف؟!؟

أعتقد أن الإجابة عن هذا الساؤل تبدأ عند معرفتنا بالخلفية المعرفية لهذه القيادات التي لم تنشق عن نظام القذافي، فهي الأقل ذكاء وتقديرا لموازين القوى و العمل السياسي، بعكس زملائهم الذين انشقوا فور اندلاع أحداث ثورة فبراير 2011 قافزين من سفينة القذافي المبحرة إلى المجهول  في أخر مغامراته.

فغالبية بقايا قيادات النظام السابق، المقيمة بقاهرة  “عبدالفتاح السيسي” كانت لهم زيارة  لغينيا كوناكري في الرابع من شهر مايو لهذا العام، و كان على رأس الوفد الدكتور “مصطفى الزائدي” أحد قادة النظام السابق الذين لم ينشقوا.

تزامنت الزيارة مع زيارة بقايا المؤتمر الوطني العام ورئيس حكومته، خليفة الغويل، والحقيقة أنه لم يكن هناك أي لقاء أو اجتماع بين الوفدين .

و كان الغرض من الزيارة هو اللقاء برئيس جمهورية غينيا كوناكري ورئيس الاتحاد الإفريقي ” ألفا كوندي”  في ذلك الوقت.

ونتج عن لقاء الوفدين نصائح كارثية، وأعتقد أنها لم تكن بريئة أو عفوية، حيث قدم النصح وبطريقة غير مباشرة، وسوسا لهم،  إن كنتم تريدون أن يكون لكم دور في العملية السياسية الناتجة عن اتفاق الصخيرات يجب أن يكون لكم سيطرة على الأرض.

وفي لقاء منفصل، قال للطرفين كيف تطلبون دورا؟ وأنتم لا وجود لكم على الأرض.

ورجع كلا الوفدين وهو يخطط، كيف يكون لهم موطئ قدم على الأرض؟ للأسف، وبسبب ضعف أي  خبرة سياسية أو حس بالمسؤولية، بدأ كل فريق يجهز ويحشد لقوة عسكرية قد تجعل  منه رقما في المعادلة حتى وإن كان صغيرا، على حساب دماء وجثث  وأشلاء الأبرياء.

وما هي إلا أيام قليلة بعد عودة وفد الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا إلى عاصمة “السيسي” القاهرة، ونعت الجبهة الشعبية لتحرير ليبيا، يوم الخميس الموافق 18 مايو 2017 عددا من قياداتها العسكرية  بقيادة العميد ناجي عزب القذافي، وثلاثة من مرافقيه وهم  المبروك الدالي الورشفاني والنعاس النعاس وسليمان خليفة  الذين قتلوا في منطقة ورشفانة  جنوب العاصمة طرابلس  نتيجة انفجار عبوة ناسفة أثناء إجراء التجارب عليها من قبل أحد خبراء المتفجرات، كما أن هذه المجموعة كانت تعمل على شراء السلاح لتجهيز القوة المناط بها تنفيد وساوس ” ألفا كوندي”

تسبب مقتل  العميد ناجي عزب القذافي ومرافقيه في تأخير تنفيذ النصيحة “الكوناكرية الدموية ” لأربعة أشهر  ليتم  مؤخرا تنفيذ الهجوم  بمنطقة قصر بن غشير، والذى تصدت له قوات حكومة الوفاق ونجحت في تدمير القوة، ومصادرة أعداد كبيرة من العتاد العسكري السلاح، وتم القبض على بعض من عناصرها في حين لاذ بالفرار الكثير منهم بملابس مدنية في مزارع جنوب العاصمة طرابلس.

أما بقايا فريق المؤتمر الوطني، ورئيس حكومته فقد عادوا إلى ليبيا، وكانوا أيضا يعملون على تنفيذ نصائح  “الرئيس الكوناكري ” إذ بعد أقل من أسبوع تفطنت الأجهزة الأمنية لحكومة الوفاق، لعمل عسكري، فأصدرت مديرية أمن طرابلس بيان، أرسلته عبر رسائل تنبيه لتعلمهم، أنها على علم بما يقومون به في محاولة منها لحقن الدماء.

ولكن تأثير النصيحة الكوناكرية كان مفعوله أقوي من كل تلك التنبيهات، و قبل مضي شهر على لقاء غينيا كوناكري انطلقت العملية العسكرية بقيادة رئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل، وللأسف سقط الكثير من أبناء الوطن بين قتيل وجريح، وتوقفت الحركة في العاصمة طربلس لأكثر من يوم، ناهيك عن الإحباط والحالة النفسية للمواطنين، هم على أعتاب شهر رمضان المبارك، ولم يكن يفصلهم عنه الإ ساعات فقط، فأفسدوا سعادة الكثيرين بهذه المناسبة العظيمة، ونجحت قوات حكومة الوفاق بصد الهجوم وتدمير ومصادرة الكثير من عتاد قوات “الغويل” الذي خرج بعد فشله في الحصول على موطئ قدم وتنصل من المسؤولية.

حقيقة أقف مذهولا أمام الحالة الليبية الغريبة، فقد كان السيد نوري أبوسهمين وخليفة الغويل محور مفاوضات الصخيرات، ورفضوه، وعملوا جاهدين لعرقلة المفاوضات والحوار، وكان لهم القدرة على قيادة تيار سياسي كبير، إلا أنهم فشلوا بتعنتهم غير المسؤول أو المبرر.

أما قيادات النظام السابق التى لم تنشق،  أتسائل، لماذا هذا العبث، خصوصا بعد طرح خريطة عمل مبعوث الأمم المتحدة “غسان سلامة” والتى يمكن أن يكون لهم دور من خلالها، وخاصة أن العمل العسكري قد يتسبب في استبعادهم؟

والسؤال الذي لم أجد  له إجابة، ماهي الحكمة من النصيحة الدموية لرئيس جمهورية غينيا كوناكري، الذي هو رئيس الاتحاد الإفريقي، وهو شخصية سياسية تقود بلادا، وتترأس منظمة إقليمية مهمة، وهي الاتحاد الإفريقي؟

هل لدي ليبيا استثمارات في بلاده يريد الاستحواذ عليها، واستمرار الفوضى في ليبيا تساعده على خطة الاستحواذ؟ أم إن الرجل لم يكن يعرف أنه يتحدث مع مجموعة غير مسؤولة، وكان يهدف للإيقاع بهم؟

نصيحتي لجميع الليبيين، أن من يؤمن بالصراع السياسي السلمي، ومن يريد أن يأتي للسلطة عبر أصوات الشعب الليبي، عليه أن يشارك في الحوار والمصالحة ويساهم في إخراج دستور للبلاد يتنج عنه سلطة تنفيذية وتشريعية تمثل جميع الأطياف السياسية الليبية دون إقصاء. فليبيا  وطن يسع الجميع.

التدوينة وساوس كوناكري الدموية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “وساوس كوناكري الدموية”

إرسال تعليق