طرابلس اليوم

الجمعة، 13 أكتوبر 2017

بعد ساعات من الاحتجاز في سجن مهرب..هل نستمر ؟

,

عبدالمنعم الجهيمي/ كاتب من الجنوب الليبي

 

من التجارب التي قد اعتبرها مهمة ومحورية في حياة أي صحفي تجربة السجن أو الاحتجاز، ليس السجن في الظروف النمطية التي نعرفها جميعا، ولكنه السجن لدى مهرب أو تاجر رقيق، ليس هذا فحسب بل أن تُسْجَنِ في مكان كُنتَ توثقه وترصد كل تفاصيله؛ ومع أُناس كُنتِ تشفق عليهم وتنقل معاناتهم.

بسبب اختلاف في بعض التفاصيل بيني وبين أحد المهربين الذين اشتغلت في توثيق أماكن احتججازهم للمهاجرين، بادر المهرب باحتجازي لديه عدة ساعات، بدون تردد ركبت في سيارته المعتمة، كان في تفكيري أني إذا كنت مطيعا سيكون هو أقل ضررا، كما إني لم أنس أن هولاء يتعاطون أنواعا مختلفة من مذهبات العقل، ولم أجد أمامي سوى الطاعة فهي الخيار الوحيد أمامي الآن.

طوال الطريق حاولت أن أكون لطيفا مع المهرب، فأقابل مسباته بكلمة حاشاك، في محاولة يائسة مني لكسب وده ولتخفيف حدة مزاجه، كان معي إفريقييْن من العاملين معه، وكانا يمسكان بي ظنا منهما إني سأقاوم أو ألوذ بالفرار، طريق طويل حتى وصلنا لمقر المهرب.

نزل من سيارته وأنزلوني بعنف، وحتى ذلك الوقت لازلت أُمني نفسي بشفقة قد تقع منه في حقي، ولكنهم أدخلوني وأجلسني وسط ذلك السجن الذي كنت أدخله للتصوير ونقل معاناة نزلاءه، وجدت الفتاة الإفريقية فايتا، وهي التي ألتقيتها قبل أسابيع وكانت تبكي سوء معاملتها وما تلقاه من ظلم، وجدتها اليوم تحمل حبلا وتتجه نحوي لتقييدي، لم أفهم تلك النظرات التي كانت ترمقني بها، لم أقاومها ولم أستعطفها لادراكي بأن أمرها ليس بيدها مثلي تماما.

بعد هنيهة خرج مهاجر آخر اسمه عبد الله كنت قد التقيته أيضا في وقت سابق، كان دوره أن يدخلني إحدى تلك الحجرات التي يحتجز فيها أقرانه، وأخيرا وجدت نفسي داخل حجرة شديدة الاتساخ مع مجموعة من المهاجرين الذين لا أفهم مايقولون ولا يفهمون ما أقول.

استذكرت تلك اللحظات التي دخلت فيها لهذه الحجرة أول مرة، كنت استهجن أن يحتجز بشر في هذا المكان، ولم أكن أعلم أن القدر سيضعني هنا ولو لساعات، هالني ذلك الكم من القسوة والعنف الذي رأيته في أعين المهاجرين، وهم ينتظرون أوامر المهرب لينقضوا عليّ.

عموما يبدو أن المهرب نسي أخذ هاتفي أو تقصد ذلك لاتصل بمن أعرفهم وأضمن له ما يريد، وقد فعلت وخرجت من عنده بعد ساعات عصيبة.

في طريق عودتي بدأت الافكار المتناقضة تغزوني، هل أخطاءت وأنا أحمل همَّ قضية المهاجرين محاولا دوما نقل معاناتهم وتغيير فكر الناس عن قضيتهم قدر استطاعتي؟، هل ما يحكونه لي عن معاناتهم ماهي إلا مبالغات لاستدرار العطف وكسب التأييد؟، هل هم أشرار؟، ولكن أيضا هولاء لا يستطيعون أن يمثلوا تلك الشريحة الكبيرة من المهاجرين، فضلا عن إنهم غير مخيرين في أمرهم.

فكرت في تلك الجهات التي تدعي أنها مسيطرة على المدينة، فقولها بأنها تتحكم في سبها يعني أنها ترعى مثل هذه النشاطات أو تتغاضى عنها، أو إنها لاتسيطر إلا على المغلوبين والمساكين ومن في حكمهم، أما أرباب العصابات وملوك التهريب فهم خارج سيطرة أي سلطة أو جيش أو ثورة.

كانت التساؤلات عظيمة والخطب جلل، كنتُ على وشك مصير آخر على يد من كنت أنقل معاناتهم، كنتُ على وشك أن أقضي بسببهم، والآن صرت أقف بين خيارين هل أستمر في متابعة قضاياهم ونقلها ورصد معاناتهم، أم هل أتوقف وأبغي السلامة لي ولأسرتي؟ سؤالٌ لا أدري إجابته حتى الآن على الأقل.

التدوينة بعد ساعات من الاحتجاز في سجن مهرب..هل نستمر ؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بعد ساعات من الاحتجاز في سجن مهرب..هل نستمر ؟”

إرسال تعليق