طرابلس اليوم

الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

ماذا يعني أن تكون شاباً ؟

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي

سن الشباب وفوران العزيمة واتقاد الهمة ، هي أكثر من كونها مرحلة عمرية تعيش معها تغيرات فيسيولوجية ونفسية ، بل هي أوسع من ذلك بكثير ، هي نفسك المحمومة والتي ترى في الانطلاق سر وجودها وفي التفاعل امتداد بقائها ، تتراءى لك الحياة على غير حقيقتها المخجلة ، لـتنطلق في هذا الكون الفسيح بمسلمات وقواعد شربتها من المدرسة وسمعتها في قصائد الشعراء وأقوال الحكماء ، ولقنها لك الوالدين والجد والجدة .
ليس كما يصفك الآخرون بأنك نزغ من عمل الشيطان أو نزوة بين بني البشر فالمراهقة بوصفها طيش وخفة عقل ليست مربوطة بسن أو بجنس ، بل هي مرحلة _الشباب_ترى نفسك فيها ذو بأس شديد وكل ما يجري حولك أنت معنيٌّ به ، يُهمّك ويثير تساؤلك ويشد انتباهك ، تراقب هدير البشر ومعايشهم وتقلب أحوالهم و حياتهم وصدق دعواتهم أو كذب ادعاءاتهم فيؤلمك غياب العدل في الكون ، وتسكنك الرغبة في تغيير السوء الذي يسكن زوايا العالم .
وتغضب لتفاهة الكبار والمسؤولين ، وحماقة الصغار ، وأخطاء المراهقين ، لكن ثقتك بسيرورة الزمن تظل هي الغالبة تمنحك القوة والإشعاع ، لأنك أنت الأصلح ، والبقاء سيكون لك ولأفكارك _كما يقولون_ ، ولكن وفي نهاية كـل ثقةٍ خيبةٌ ترميك إلى نقطة تسترجع فيها الأحداث وتتساءل فيها عما جرى ؟ وكيف حصل ؟
يمتد بك العمر و تنقضي سنوات لتجد أن الأمور تسير على غير ما كنت تظن وتعتقد ، وما آمنت به بدأ يهتز ويتناقص ، حياة صاخبة مليئة بمنظومات متوحشة يديرها أناس أكثر توحشاً يتبعهم جماهير غفيرة تتراقص على أوتار الشر والأثرة وحب الذات .
قرأت أن من أسباب التطرف أن الشاب يُصدم عند خروجه للمجتمع بأن القيم التي كان يسمعها ليست هي التي يراها فيندفع للتطرف ، إذا كان ذاك يتطرف ويتشنج في موقفه ، والآخر يتميع وينصهر مع مسايرة الواقع ؛ أليس من حقنا نحن أن نتساءل .
أين ذهبت نصائح وتعليمات الأستاذ والمعلمة في المدرسة ؟!
أين ذهبت قصائد شوقي و الشابي ؟!
أين ذهبت سورة الحجرات و اقرأ ؟
أين ذهبت خطب الجمعة ، ونصائح الشيخ ؟
أتراها منظومتان (الشر والخير ) تعتلجان إلى يوم الدين ؟! فأين منظومة الخير وهل هي منخورة من داخلها ؟ أم صلبة متماسكة كتلك التي تمايزها من الشرور ؟!
عندما أنظر في دعوات الرسل والأنبياء كيف فقدوا أسرهم وأقرباءهم ولم يستطيعوا هدايتهم ، ويأتي النبي معه النفر أو ليس معه أحد ، تفتح أمامي أسئلة عن مفهوم النظريات الإصلاحية ، وعن القيم و الخير والشر ، عن تحركها في المجتمع ، و عن سبغ المجتمع بالصلاح هل هو متحقق أم هو ضرب من الأماني ؟ وهل هو عملٌ مرجو النتيجة والنفع ؟ أم هو إبراء للذمة وإسقاط للواجب (ومعذرة إلى ربكم ) ؟
وماهي حدود التسديد والمقاربة في التطبيق والامتثال ؟ و إلى أي مدى تدخل النسبية في الأخلاق والأذواق والأعراف ?
إلى أي مدى يتداخل الغيب بالشهادة ويؤثر كل منهما في الآخر ؟
لم أعد أرغب في إجابات كتلك التي كان يجيبني بها الزاهد الذي أغرق الفضائيات بظهوره ، أو صاحب العاطفة الجياشة حين يستخلص إجاباته من التاريخ الذي أظهر بعضه وأعرض عن بعض .
أو ذاك الذي يكبرني في السن فيترجم فُـتوره وتردده بأنه تراكم خبرة وزيادة تجربة أوصلته لقناعات يصعب شرحها .
ما أعرفه يقيناً هو أنني سأصل إلى مرحلة من العمر أصبح معها أقل حماساً للشرح ، وأميل لعدم الاهتمام و الاكتراث عن ذي قبل ، و لكن ستظل جذوة الأسئلة متقدة شابة في صدر ذاك الكهل الذي استسلم كغيره إلى خشونة الواقع و عاش على غير ما يرضى و يقتنع .

التدوينة ماذا يعني أن تكون شاباً ؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “ماذا يعني أن تكون شاباً ؟”

إرسال تعليق