طرابلس اليوم

الخميس، 24 مايو 2018

بارقة أمل من أهل مرتوبة

,

عبد الفتاح الشلوي/ عضو المؤتمر الوطني العام السابق

على بعد ما يقرب من الثلاثين كيلو مترًا شرق مدينة درنة تقع مدينة مرتوبة، وفيها يقع مصنع أسمنت الفتائح بطاقته الإنتاجية العالية، رغم الظروف التي طالته عقب ثورة السابع عشر من فبراير، ويرقد بها مطارها بمواصفاته المتميزة وبمهبطه الفريد على مستوى ليبيا، وأمور أخري ليس الآن وقت ذكرها.

كانت مرتوبة خلال أحداث ثورة فبراير سندًا وظهيرًا للجوار، بل كانت نقطة انطلاق ناحية الغرب والجنوب، فسيطرة أهلها على القاعدة الجوية جنّب المنطقة مخاطر لا يعلم مداها إلا الله، وكان بها مجمع لتلقي الإغاثة ومن ثم توزيعها على المحتاجين بالجوار، الي أن وصل الإمداد لجبهات القتال، أذكر أننا التقينا الأخ “مفتاح بوصميده” بذلك المركز المُعد بشكل عاجل، وكان بطريق المدينة المؤدي لمنطقة “المسلقون” ورغم بساطته وعفوية تجهيزه إلا أنه كان ذا فاعلية، أحد الأخوة سأل عن احتياجات أهلنا بمدينة مرتوبة، فرد أخونا مفتاح — وهو يمد يداه لكانون الفحم أملا في كسر جزء من لسعات ذلك اليوم البارد — وهو يقول ( أسليمتكم والله ما نقصتنا حاجة في عز الخير، أنتوا طمنونا على درنة بس واللي تنقصكم عندنا ) .

هذه المقدمة تمهيد لمدخل حديثي .. عن استقبال أهلنا بمدينة مرتوبة للأسر التي علقت نهار أمس ببواباتها جراء قفل الطريق من خلال تداعيات الحصار والاشتباكات، فقد تم استقبال وإيواء العالقين بشهامة تكنزها صدور الرجال، وبمروءة أهل المنطقة عامة وعائلاتها المضيافة خاصة.

على المستوى الشخصي لم أستغرب ذلك الموقف، وأنا العارف بالمنطقة، وهي صلة رحمي وقربي، فقد قامت المنطقة بالنفخ في تاريخ الأجداد وسيرة مشائخها الكبار المعروفين بسيرتهم وماضيهم المشرف – بذاكرتي بعض الأسماء منهم، وتغولت مبخرة النسيان على البعض الأخر، فآثرت عدم التطرق للأسماء كيلا يطال النسيان أيًا منهم وهم كثيرون –

جاء العالقون من مدينة درنة لقضاء بعض الحاجات، لم تكن بهجتهم بحبات الطماطم والبصل والبطاطا ورغيف الخبز، أبدًا ما كانت كذلك، رغم ماس حاجتهم وجيرانهم وأقاربهم لها ، بل ازدادت فرحتهم بروعة اللقاء، وبشاشة الترحاب، والإصرار على الاستضافة، كسرًا لوهم اجتماعي، وتبديدًا لعوالق بمخيلات أنتجها صراع الساسة الراقدون بعالم الفوقية، والتربع على ذروة الدهك، وبقاع المشين من المواقف.

لقد نفخت مدينة مرتوبة وأهلها الكرام بجذوة الأمل، وحمل العالقون العائدون قبسًا من أصالة أهلها، له أن يُشع الأمل بين كافة مناطقنا، وله أن يجعل من بُسطاء القوم بطيبتهم يحققون ما عجز عنه المتعممون بالشهادات العليا، والمتهندمون بأفخر الحلل، والمتطيبون بأزهى العطور “الباريسية” من بدد منهم ثرواتنا، وشتت ودنا، وأشاع كراهية لا تتماهى وطبيعة مجتمعنا، المحكوم بديننا الإسلامي الحنيف، والمرتبط بإرث الآباء والأجداد .

إن هذا الموقف – رغم عفويته وبساطته عند أهل مرتوبة – يُعد نقلة كبيرة، بين مفحمة اليأس، ومزهرية الأمل، بأن ليبيا لها أن تتصالح مع نفسها بنفسها ، ودون الحاجة ” للمسيو ولا المستر والا السينيور” وأن هذه الندوب والنتوءات لا ولن تشوه صورتنا الحقيقية، وأننا لن نكون أسري الماضي ونحن نواجه الأزمات والكوارث .

كتبت هذا الموضوع والذي لن يجسد الموقف، ولن ينقل الصورة كما نقلها لي صديقي الذي حدثني عن ساعة خروجه من مدينة درنة الي أن علُق هناك، وحتى عودته، لقد كان حبيس إصرار أهل مرتوبة على الاستضافة، ومحاولة كسرهم لمعاناة إخوتهم العالقين، وقد ختم حديثه معي بأن صب جام غضبه على الخلافات السياسية، وتوجه لله داعيا بالويل والثبور لكل من يلقي بحرفٍ واحدٍ لأجل تأجيج الشقاق والفتنة، فتحية الأخ لأخيه، وامتنان المُضيف لمضيفه، وتقبل الله صياكم وبارك الله فيكم وبصنيعكم، وجزى الله القائمين على مسجد علي بن أبي طالب عنا وعنهم كل خير، وغفر الله في هذه الأيام الربانية المباركة للمتوفى سعيد عربي الجازوي وأسرته المضيافة ومالك “الصالة ” التي حل بها العالقون.

التدوينة بارقة أمل من أهل مرتوبة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “بارقة أمل من أهل مرتوبة”

إرسال تعليق