طرابلس اليوم

السبت، 26 مايو 2018

صياغة جديدة لفشل قديم.. مبادرة

,

عبد الله الكبير/ كاتب ليبي

مبادرة جديدة يطرحها الرئيس الفرنسي ماكرون لتحريك الجمود في الأزمة الليبية، المبادرة السابقة كانت في يوليو الماضي حين اجتمع في باريس برعاية الرئيس الفرنسي، رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وقائد الجيش التابع لبرلمان طبرق وأتفقا على بيان من عشر نقاط أهمها التأكيد على الحل السياسي ووقف العنف وإجراء انتخابات، ولم ينفذ أي بند من بنودها إذ تواصلت الاشتباكات المسلحة في أنحاء متفرقة في البلاد لأسباب متعددة، ولم يقع أي تقدم على طريق الحل السياسي الذي طرحه المبعوث الأممي لليبيا غسان سلامة، فضلا عن عدم توافق قادة البلاد على الذهاب إلى انتخابات جديدة. ومن ثم كان الفشل هو مصير المبادرة الفرنسية الأولى.

لا يتسع المقام لسرد أسباب فشل المبادرة، فالخطأ الجوهري والأساسي في المبادرة هو اختزالها للأزمة في شخصين ظن ماكرون أن الجمع بينهما سيدفع بالأزمة إلى طريق الحل، من دون النظر إلى خارطة الأزمة المتشعبة والمركبة والمعقدة بتعدد الفاعلين المحليين والإقليميين والدوليين، وتعدد مستويات الصراع السياسي والأيديولوجي والجهوي والقبلي، فضلا عن المجموعات الدينية المتشددة العابرة للحدود والقارات، وعصابات التهريب والجريمة المنظمة التي تُمارس نشاطها على نطاق واسع في البلاد خاصة في الجنوب الشاسع المساحات.

الهدف الرئيسي من المبادرة الفرنسية السابقة لم يطرح على وسائل الإعلام، أما البيان الصحفي الذي تضمن النقاط العشر فكان مجرد مادة للإستهلاك الإعلامي. عقب اللقاء قال السراج ردا علي سؤال يتعلق بمفاوضاته مع حفتر ما مفاده أنه لابد من الرجوع للأطراف الأخرى للتشاور، مايعني أنه لا يستطيع وحده الفصل في ما تطلبه فرنسا، بعد أيام صرح مستشار سابق لحفتر أن المفاوضات التي رعاها ماكرون كانت تهدف إلى تحقيق إعتراف متبادل بين الرجلين، أي يعترف حفتر بالسلطة السياسية للسراج ويعترف السراج لحفتر بالسلطة والقيادة على المؤسستين العسكرية والأمنية، وبذلك تضمن فرنسا لحليفها حفتر سلطة موازية وربما مهيمنة في المشهد الليبي، ولكن السراج رفض بحجة أن هذا الأمر منصوص عليه في الاتفاق السياسي ولا يملك صلاحية تعديله، فالتكليف للمناصب السيادية يتولاه البرلمان والمجلس الأعلى للدولة. جدير بالذكر أن حفتر طلب في أول لقاء جمعه بالسراج عقب توقيع اتفاق الصخيرات أن تكون له القيادة على المؤسستين العسكرية والأمنية فيما يتولى هو، أي السراج، الشؤون المدنية الأخرى، ورد عليه السراج معلقا : يعني تريدني مثل البغدادي المحمودي؟ ( يقصد آخر رئيس حكومة في زمن القذافي، إما على جهة المعنى فالمقصود هو أنك تريدني مجرد واجهة بينما تكون السلطة الفاعلة في قبضتك كما كان يحكم القذافي أما في الواجهة فيبدو أن هناك رئيس حكومة يدعى البغدادي المحمودي )

المبادرة الجديدة التي يطرحها ماكرون توسعت في عدد الشخصيات الليبية المدعوة للحضور والتوقيع على بنود المبادرة، إذ ضمت رؤوساء المجالس الثلاثة المنشأة في الإتفاق السياسي، المجلس الرئاسي والبرلمان والمجلس الأعلى للدولة، بالإضافة إلى خليفة حفتر قائد الجيش التابع للبرلمان، من دون دعوة أي نضير له من الجانب الآخر، وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوفاق أو قوات البنيان المرصوص، رغم تأكيد أحد بنود المبادرة على دعم فرنسا لجهود توحيد الجيش الليبي التي تجري اجتماعاتها في مصر، وهنا بالذات تقع المبادرة الفرنسية في نفس خطأ المبادرة الأولى وبالتالي لن تحصد مجددا غير الفشل، فدعوة الأطراف السياسية المشكلة لمثلث الاتفاق السياسي طبيعية ومنطقية جدا، إذ يقع على عاتق البرلمان والمجلس الأعلى للدولة مهمة التوافق حول قانون الاستفتاء على الدستور أو إصدار القوانين اللازمة للانتخابات إذا تعذر التوافق حول مسودة الدستور، ويتولى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الجانب التنفيذي لكل الإجراءات التي يتفق عليها البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، ولكن ما هو الهدف من وجود حفتر وهو طرف عسكري وليس سياسي، وقيادته للمؤسسة العسكرية غير محسومة بسبب اعتراض العديد من الأطراف العسكرية في غرب ليبيا وجنوبها؟

غياب التوازن في التمثيل العسكري في لقاء باريس هو الأسفين الأول في نعش المبادرة الفرنسية، وكان ينبغي للدبلوماسية الفرنسية أن تبني على اجتماعات ضباط الجيش الليبي في القاهرة، حيث اجتمع في ست مناسبات ضباط يمثلون كافة مناطق ليبيا العسكرية للتباحث حول وضع هيكلية للجيش الليبي ومازالت مسألة قيادات الجيش محل تفاوض.

على المستوى الدولي والاقليمي تبدو كافة الأطراف المنخرطة في الأزمة الليبية غير راضية على التحرك الفرنسي المنفرد، فإيطاليا مستاءة وترى في المبادرة محاولة فرنسية للهيمنة على الملف الليبي، وقد عبر عن هذا الاستياء دبلوماسي إيطالي قائلا إنها مبادرة استعراضية لا تقدم شيئا ملموسا ولا تشجع على الحوار السياسي ولا تبسط الاستقرار، أمريكا صرحت على لسان أحد دبلوماسييها أنها تدرس المبادرة الفرنسية، وهو تعبير مهذب عن عدم القبول بها، الجزائر وتونس موقفهما ثابت على كافة المستويات، مع التوافق الليبي عبر حوار داخلي بعيدا عن التدخلات الخارجية، مصر الدولة المجاورة والفاعلة في المشهد الليبي لن ترحب بأي حل سياسي أحد أطرافه رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري لأنتمائه لتنظيم الإخوان المسلمين. داخليا لم يقف الرأي العام الليبي طويلا عند المبادرة لأنه لا يرتجي منها خيرا فقد تعددت المبادرات واللقاءات من دون إحراز أي تقدم، كما أن المبادرة تتزامن مع انشغال الليبيين بالحصار القاسي والحرب التي يشنها حفتر على مدينة درنة لإخضاعها وطرد قوات مجلس شورى المجاهدين منها، و كذلك الغضب الشديد في كل البلاد من هول الفساد والنهب والسفه في الانفاق في كل مؤسسات وقطاعات الدولة وفي مقدمتها مجلس السراج الرئاسي.

لكن الصورة لن تكون قاتمة تماما، ثمة نقطة إيجابية في المبادرة إذا تحقق فيها تقدم ملموس وهي توحيد المصرف الليبي المركزي، فإنهاء الازدواجية في أهم مؤسسة مالية سينعكس بشكل إيجابي على تحسن الأداء الاقتصادي، وسيخفف من آثار أزمة شُح السيولة وارتفاع الأسعار ونقصان الكثير من السلع الغذائية والدوائية.

باستثناء هذه اللفتة المهمة ليس ثمة جديد في المبادرة الفرنسية، ولا أتصور أن ثمة مبادرة يمكن أن تضع ليبيا على طريق الحل سوى البند الثالث في خارطة الطريق التي طرحها المبعوث الإممي غسان سلامة، وهو المؤتمر الوطني الجامع الذي سيضم كافة الفرقاء الليبيين على طاولة حوار واحدة داخل ليبيا من دون أي تدخل خارجي، ليقف الجميع أمام مسؤوليتهم التاريخية بتجاوز كل الخلافات السياسية والأيديولوجية والأطماع الشخصية والجهوية وإنقاذ البلاد من هذا الدرك الذي انحدرت فيه، عبر إقرار مصالحة شاملة وإعتماد دستور مؤقت وتوحيد مؤسسات البلاد وتأجيل النظر في المظالم أو في أي مطالب حتى تقوم مؤسسات الدولة وتعود لمؤسسة القضاء فاعليتها وقوتها.

التدوينة صياغة جديدة لفشل قديم.. مبادرة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “صياغة جديدة لفشل قديم.. مبادرة”

إرسال تعليق