طرابلس اليوم

الاثنين، 26 يونيو 2017

التاريخ والحاضر والمستقبل …. أيهم أحق بالاهتمام؟

,
أحمد محمد/طبيب وكاتب ليبي
“من لا ماضي له لا مستقبل له” من منا لم يسمع هذه العبارة المتداولة والتي تحث الناس على الاحتفاء بالماضي وبالتاريخ والتراث، الأمر جيد بالتأكيد على أن يبقى ضمن حدود العقل والمنطق وألا يصل إلى درجة الارتهان والدوران في دائرة الأفكار القديمة غير المجدية.
يأخذني الحديث هنا دائما إلى الحالة الليبية، التي تشبه نظيراتها من الدول العربية الأخرى العالقة في العصور القديمة بشكل نسبي! ولكن ليبيا – والأمر ظاهر للعيان – عالقة في الصراعات والخلافات القديمة والأفكار المسبقة عن القبائل والصراعات القديمة والحكايات المنتشرة حول هذه المسائل.
للأسف فيما يخص الخلافات الليبية القديمة في التاريخ الحديث توجد روايات مختلفة، ولا يمكن التأكد بشكل كامل من صحة أي منها، وطبعا يرمي خصوم الأمس واليوم بعضهم بعضا بالتهم، ورفض الروايات التي تتهمهم هم أو تتهم حلفاءهم بالخيانة مثلا أو الغدر وما إلى ذلك.
ومن جانب آخر أعتقد أننا في ليبيا لا نهتم كثيرا بالتراث والقيم التاريخية الإيجابية التي تبعث في النفس الأمل والراحة دون التوغل في المشاكل، حيث نلاحظ الانسلاخ الثقافي الحاصل بتأثير العوامل المختلفة، ونحن بهذه الطريقة أخذنا سلبيات التاريخ وتركنا واحدة من أهم الإيجابيات.
على كل حال لست بصدد الدفاع عن أحد “قبيلة أو منطقة أو مدينة” ولا أملك الحجج التاريخية والبراهين لإثبات فرضية ما أو نفي أخرى، ولكن ما أود أن أطرحه هنا يتمحور حول مشاكل التأثر الزائد بالتاريخ والانصياع له بشكل كبير.
لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية التاريخ في فهم الشعوب والسياسة وحركة المجتمعات بما يساهم في إيجاد فرصة للتقدم والتطور نحو مستقبل أفضل، وهذا الأمر واضح جدا لا سيما إذا ما نظرنا إلى تطور البشرية في القرن الماضي بعد تطور العلوم والصناعات .
ولكن على الرغم من كل هذا التقدم وهذه الاستفادة التي حصدها العالم الغربي من دراسة العلوم والتاريخ إلا أن المفكر والروائي الانجليزي ألدوس هكسلي قال مرة “إن أهم درس يمكن أن يعلمه لنا التاريخ هو أن البشر لا يتعلمون كثيرا من دروس التاريخ“
إنه شيء مثير للتعجب، أن تخرج هذه الجملة من هذا الرجل الذي عاصر النهضة الأمريكية والأوروبية في عصرها الذهبي الأخير، وهو أمر يدل بكل تأكيد على عدم الرضا من النتائج التي وصلت إليها هذه الأمم إضافة إلى اتهامها المبطن العام بأنها كررت أخطاء التاريخ.
بكل تأكيد ليست المجتمعات والدول الغربية مثالية، هذه المجتمعات والدول لها أخطاء كثيرة لست أيضا بصدد الحديث عنها، ويمكن فقط أن نراقب الخلافات السياسية والانتقادات التي تحدث مثلا لنعرف أن الأمر ليس إيجابيا بالمطلق.
ماذا عن العرب وماذا عن ليبيا؟؟ العرب عالقون منذ سنوات طويلة في صراعات لم تنته وهذه الصراعات لها جذور ضاربة في عمق التاريخ الحديث والقديم، والأمر ذاته يحصل الآن في ليبيا على الرغم من الاختلاف النسبي، حيث تتحكم لهجة التحريض الجهوي والمناطقي في جزء من الصراع، ولا بد أن كثيرين قد لاحظوا أن عددا كبيرا من الأزمات والخلافات المجتمعية بدأت بالحديث عن التاريخ الحديث وعن خلافات قديمة لا ناقة للأجيال الحالية فيها أو جمل.
العالم الغربي استطاع التعلم من أخطاء التاريخ بشكل ما، وتمكنت منظومة سياسات الدول الغربية من إنهاء عدد كبير من الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة حتى أصبحت أمريكا الشمالية وأوروبا في رغد من العيش واستقرار كبير نسبي ولفترة طويلة من الزمن – وهذا يعد نجاحا نسبيا في أقل تقدير – والغريب في الأمر أن ما وصلوا إليه لا يرضيهم فهم يريدون المزيد.
يجب علينا أيضا في ليبيا أن نحاول فهم التاريخ بشكل أفضل وألا نكرر الأخطاء التي تحدث مرة تلو الأخرى في السنوات القصيرة الماضية، هذا الفهم والتعلم يجب أن يحدث لكسر دوامة التكرار، ويجب أن يبدأ من مجموعة من الناس تكون قادرة على إحداث فرق في المجتمع وفي سياسات الدولة ومؤسساتها بشكل إيجابي يخدم المصلحة العامة ولا يكون موجها لمصلحة فئة أو مجموعة سياسية أو جهوية، لأنه لن يكون مقبولا حينها.
في اعتقادي الشخصي يجب أن يفك الارتباط ببعض القضايا التاريخية المثيرة للجدل والخلاف لاسيما بين القبائل في ليبيا، ويجب على المواطنين أن يتعلموا من التاريخ بعض الأشياء الهامة، ومنها مثلا أن التاريخ يكتبه المنتصرون، وأن روايات التاريخ المختلفة ليست ملزمة أو حقيقية بضرورة الحال وهذا أمر شاهدناه بأم أعيننا خلال الأعوام الأخيرة بعد ثورة فبراير، حيث أكد الواقع أن تزوير الحقائق سهل جدا.
ليس من المعقول أن يعيش المرء حاضره رهينة للماضي، وأن يربي الأب ابنه أو بنته على الأحقاد التي عفا عليها الزمن، ومن المؤسف جدا أن يجري الحديث عن ثارات كليب وناقة البسوس وداحس والغبراء عند الحديث عن الحروب أو النزاعات التي تجري في الدول العربية في حاضرنا.
الأمر يحتاج وقفة بكل تأكيد على المستوى الوطني وعلى المستوى العربي أيضا، لعلاح هذه المشكلة التى بإمكانها أن تبقي الأجيال القادمة والحالية في دوامة الأحقاد والكراهية وتتركها فريسة لخطاب العنف والتحريض، بما يجعل الناس يخوضون في خلافاتهم بشكل فردي أو جماعي ليضيعوا أوقاتهم وجهدهم وربما يصل الأمر إلى الدماء وسفكها، عوضا عن تقديم هذا الجهد والوقت في محاولة البناء ورأب الصدع بين أفراد المجتمع ومحاولة التأسيس بشكل سليم لدولة قادرة على مجابهة تحديات المستقبل.
الأمر أيضا يجب أن يعالج على المستويات الرسمية في الدولة ومؤسسات التعليم إضافة إلى المؤسسات الإعلامية والثقافية، وعلى المستوى الفردي أيضا، ولكل مكون في المجتمع دور نسبي مختلف في مواجهة هذه المشكلة أو زيادة تعميقها.
التجاهل وحده لا يفيد، والكذب على الناس لا يفيد لأن الكاذب يفقد مصداقيته عند وصول الناس إلى الحقيقة أو حدوث تشكيك في المعلومات، الثقة يفقدها الناس في المثقف أو الكاتب أو المسؤولين والدولة، وتصبح المشكلة معقدة بشكل أكبر، الأمر يتطلب علاجا بطريقة مختلفة وبسيطة، يجب علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا يجب علينا أن نواجه المشكلة ونصل إلى حل لها بالعقل والمنطق، نحن لدينا مشاكل كبيرة في التاريخ وفي ماضينا القديم والحديث، ولكن يجب أن نتعامل معها بالمنطق! يجب أن نعرف ألا علاقة للأجيال الحالية بأخطاء السابقين وأن المسؤولية لا تورث.
يجب علينا أن نعرف أن الاهتمام بالحاضر الذي يؤسس للمستقبل الأفضل هو الأهم، اليد التي تبني خير من القلم الذي يكتب للتحريض واجترار المآسي والثارات والخلافات، وهذا أمر لا يختلف فيه اثنان.
إن الأحكام المسبقة المبنية على العرق أو الآباء والأجداد غير منصفة، ويجب أن نواجه أنفسنا بحقيقة صعوبة الكشف عن الأخطاء الحقيقية في التاريخ حتى نقطع علاقتنا بالذين يحاولون استغلالنا بجزرة التاريخ وعصا التحريض، ولا شك في أن الأهم في الحاضر هو التفرغ للبناء وجبر كسور المجتمع بما يكفل التطلع نحو غد أفضل يساهم جميع أفراد المجتمع في بنائه بعد بناء أنفسهم.

التدوينة التاريخ والحاضر والمستقبل …. أيهم أحق بالاهتمام؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “التاريخ والحاضر والمستقبل …. أيهم أحق بالاهتمام؟”

إرسال تعليق