طرابلس اليوم

الثلاثاء، 27 يونيو 2017

الأزمة الخليجية دروس مستفادة

,

أحمد الدايخ/ كاتب ليبي
أواخر شهر مايو  أفاقت المنطقة على وقع حملةٍ إعلامية شديدة ،  قادتها وسائل إعلام خليجية نسبت تصريحات إلى أمير دولة قطر ، وكان ذلك نتيجة  لاختراق وكالة الأنباء القطرية بعد  منتصف الليل.
ورغم التوضيحات المتعاقبة من الجانب القطري إلا أن ذلك لم يحد من شراسة الحملة وقوتها من دول الثلاث (السعودية ، الإمارات ، البحرين)  ،  كل ذلك كان  عقب القمة الأميركية العربية الإسلامية  في المملكة السعودية  الشهر الماضي ، وبشكل مباغت  قادت كل من الرياض وأبوظبي  التعبئة ضد قطر  عبر هجمة إعلامية شرسة ، بعد يومين فقط من اختتام القمة  .
وعلى الرغم من تحاشي قطر الحديث في القضايا السعودية المتراكبة من استبداد سياسي وفساد مجتمعي ومشاكل تنموية ، وكذلك  الحال بالنسبة لدولة  الإمارات العربية المتحدة  ، وعلى الرغم من  تغطيتها  الباهتة للقمة الأمريكية السعودية  و عكسها بصورة الخبر العادي رغم فداحة الحدث الذي يستوجب التركيز عليه إلا أن ذلك كله  لم يشفع لقطر ولم يجعلها في مأمن من هجوم الدول الجارة .
حظيت العلاقات الخليجية طيلة الفترة السابقة بنوع من المجاملات السياسية والتبادل الظاهري للاحترام   بين القبائل الحاكمة  هناك حتى في أحلك الأزمات وأصعب الظروف  ، ولكن بدت الهجمة الإعلامية الأخيرة  عنيفة وغير مألوفة في تاريخ العلاقات (الخليجية الخليجية ) ، إذ لم تتوقّف الحملة عند فبركة أخبار أوتلفيقها ، بل وصلت حدّ توجيه الشتائم الشخصية ،  والطعن في الأنساب وهذا تطور غير مسبوق في الخليج .
تطورت الأزمة للمقاطعة ثم الحصار وقفل الأجواء وتحريض وابتزاز دول أخرى لاتخاذ ذات الموقف مثل مصر والأردن وموريتانيا ،  و تعاطى جزء كبير من الإعلام العربي مع الأزمة الخليجية  وأظهر  أنه ليس إلا نمطاً من أنماط العمل الإعلامي غير المهني الذي يتماهى مع  السلطات الرسمية .
وفي ظل هذه الفورة التصعيدية  التي ظهرت  بين عشية وضحاها ضاربة بالعلاقات الدولية والأعراف الدبلوماسية عرض الحائط  ، يظهر للمتتبع إشارات واضحة في السياسة الخليجية خصوصاً والعربية عموماً :
أولاً  : عجز هذه القبائل الخليجية الحاكمة في تلك المنطقة عن إيجاد صيغة تعايش مشترك يتواءم مع طموحات كل قُطر  وما يتبناه من  مواقف وسياسات  خارجية  مستقلة عن الأخر  ، فما ظهر من تصعيد خطير وسب وشتم يرجعك إلى عصر ما قبل الدول الحديثة  .
ثانياً : لا إرادة حرة  ومستقلة تظهر واضحة في سياسة هذه الدول بل على العكس تماماً تراها تابعة في غالب سياساتها وقراراتها ، و لك أن تلقي نظرة سريعة على كيفية إدارتهم للأزمة داخلياً وخارجياً فالجميع يسعى وبطريقة سافرة  لنيل رضى العم سام ، وهذا ما جاء في تصريحات   وزير الدفاع الأمريكي  أمام الكونجرس عندما قال الوضع في الخليج معقد وكل دولة تريد أن تصف نفسها بأنها هي من يحارب الإرهاب .
ثانياً :  تضارب الموقف الرسمي لهذه الدول مع الموقف الشعبي لها مما ينم عن  هشاشة الأنظمة العربية عموماً  والمتولد من هشاشة الشرعية السياسية  التي تستند إليها ، فهي تعيش “أزمة شرعية” إذ أن غالبية الأنظمة العربية لم تصل إلى السلطة بوسائل ديمقراطية حقيقية ،  لذا فإن انتماء الشعب للنظام السياسي محدود و هامشي ويكاد ينحصر في الخوف أو المصالح الضيقة لبعض فئات الشعب .
ثالثاً :  تتمتع وسائل الإعلام في الدول الديمقراطية بنوع من الحرية  والمسؤولية عكس ما هي عليه في العالم العربي والذي لا هدف له إلا تنميط المجتمع  وبلورة مواقف واتجاهات الناس بحيث  تستفيد منها السلط الحاكمة .
رابعاً : عندما يتحلى الإعلام بالحرية والمهنية وكذلك المسؤولية الأخلاقية فإن دوره سيكون واضحاً وملموساً في حل الصراعات  وإزالة التوتر  و يمكن في ذات الوقت أن يأتي بنتائج عكسية إذا ما كان تحت ضغط وسلطة الدكتاتوريات ، وهذا ما بان خلال الأزمة الخليجية الأخيرة .
رغم  ذلك فقد استنفدت دول الحصار كل وسائل الضغط والسبل السياسية لإرضاخ قطر لمطالبها ، ولم يعد هناك مساحة سياسية للتحرك وأمام دول الحصار أحد اثنين :
* التحرك العسكري والذي  قد يجر المنطقة  إلى فوضى في ظل التربص الإيراني وهشاشة المنطقة عموماً  ، والتواجد التركي ،  وعدم وضوح السياسة الأمريكية  وتضاربها تجاه الأزمة  .
* البدء في التنازل التدريجي مقابل تنازلات باهتة من الجانب القطري ، وذلك لحفظ  ماء الوجه   والرجوع إلى الجحور لانتظار فرصة أخرى مواتية  للانقضاض .

التدوينة الأزمة الخليجية دروس مستفادة ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الأزمة الخليجية دروس مستفادة”

إرسال تعليق