طرابلس اليوم

الأربعاء، 28 يونيو 2017

الصراع الليبي بين سماتنا ودلالاتهم ؟

,

فوزي العقاب/ عضو المجلس الأعلى للدولة

في المقالة السابقة أشرت إلى أن من أهم سمات الصراع في ليبيا أنهُ ليس تقليدياً، أي صراعاً بين سلطة ومعارضة، كما هو الحال في سوريا أو مصر وحتى اليمن لحد كبير كنماذج ما بعد الثورات. ولذلك أتصور أن العلاقة سمتها جدلية ومتداخلة  بينهما، وأن الصراع  بين الأطراف يدور حول “الشرعية” (حكم قضائي – انتخاب – اتفاق سياسي)  لا ” السلطة” لأن كل طرف متمترس خلف سلطتهِ. وهذه الحالة مستمرة في جميع المراحل، من (المؤتمر بعد لا للتمديد مع البرلمان ) إلى (البرلمان مع المؤتمر بعد قرار المحكمة) إلى (البرلمان مع المجلس الرئاسي بعد اتفاق الصخيرات) إلى (المجلس الرئاسي وأزمة ثقته مع البرلمان).

في تقديري إن هذه السمة تعكس اختلاف مصالح خارجية أكثر من كونها داخلية، لأن حالة تنوع  مصادر الشرعية لا يمكن أن تعبر عن مصلحة شعب واحد، لكنها تصلح كمدخل لمصالح إقليمية ودولية مختلفة.

السمة الثانية، التناقض من أهم مآلات الأزمة إسقاط  تجارب خارجية على المشهد الليبي(التغيرات في مصر بعد 30 يونيو، والمبادرة الخليجية كإطار لحل أزمة اليمن ) دون مراعاة خصوصية المشهد الليبي (المتناقض)، فما حدث فترة المؤتمر الوطني العام ومحاكاة التغيرات في مصر وحركة تمرد “لا للتمديد ” صحيح إن حزب التحالف كان يمثل 50% من مقاعد الأحزاب وهو المتبني لهذه المبادرة داخل المؤتمر، لكنه لم يكن يمثل رئاسة المؤتمر، وكذلك البرلمان الأغلبية التي تؤيد الاتفاق السياسي ليست هي التي ترأس البرلمان، لذلك فجوهر التناقض هو أن الأقلية تحكم والأغلبية تعارض، ولذا لم تستطع هذه الأغلبية فرض إرادتها بل ساهمت في تفاقم الأزمة.

السمة الثالثة التغير والتعدد في شعارات الصراع التي يتم التحشيد لها والتعبئة تحتها الإسلاميون و” العلمانيون”، الثورة والثورة المضادة، المدنية والتطرف، والآن بين المدنية والحكم العسكري. هذا التعدد هو نتيجة غياب القضية المحلية الجوهرية  فهو ليس مذهبياً وإثنياً كالعراق، ولا بين الأسلمة والعلمنة في تونس، ولا هو طائفي كلبنان، ولا كنظام ومعارضة في سوريا، ولا يحمل تعقيدات الصراع اليمني.

السمة الرابعة، تحالفاتهِ مُركبة بين مجالس بلدية وإسلاميين بكافة توجهاتهم متشددين ومعتدلين وثوار وعسكريين وساسة ورجال أعمال وحكومات وقبائل ومدن من مختلف البلاد، هذا التنوع تجدهُ عند كُل طرف، وهذا في تصوري يعكس حقيقته المصطنعة فهو ليس صراعاً نوعياً، إيديولوجياً كالصراع الجزائري في تسعينيات القرن الماضي، أو جهة جغرافية محددة كالصراع السوداني الجنوب سابقاً أو دارفور حالياً، أو مع تنظيم بعينه كما حدث في مصر مع جماعة الإخوان المسلمين.

السمة الخامسة، غير ثابت فأطراف كثيرة أعادت تموضعها في مراحل الصراع،  أما من موقف لموقف أو من طرف لطرف أو تحيدت في إحداها، وهذا ما يتضح لنا عندما نقارن بين خارطة الصراع قبل الاتفاق السياسي وبعده.

وأمام كل هذا نجد أن الأطراف المتصارعة تتفق حول جملة من القضايا يفترض أن تكون هي المحرك لأي صراع داخلي فما بالك بحربٍ ضروس. الأمر الذي يطرح تساؤلاً عن أسباب الصراع  في ليبيا ؟ أهمها  “وحدة البلاد ” هناك حِرص عند الأطراف المتصارعة  في إرسال إشارات سياسية تؤكد على وحدة البلاد. ” الموقف من العودة للنظام السابق ” لا يوجد بين الأطراف المتصارعة من يمثل النظام السابق كخيار وليس كأشخاص. فكل الأطراف المتصارعة لها دور سياسي أو عسكري في إنجاح الثورة وكانت لها مواقفها المعلنة من انحيازها للثورة واعتبار أن النظام السابق أصبح من الماضي .”الالتزام بتبعية السلطة المدنية” حتى وإن ظل صورياً كما يعتقد كثيرون يظل التزاماً له دلالة، فرغم أن عملية الكرامة عملية عسكرية تم الإعلان عنها 16 مايو 2014  قبل انتخاب البرلمان في 25 يونيو 2014 كردة فعل مُعترضة على شرعية سلطة المؤتمر، إلا أنها لم تقدم نفسها كبديل عنه، وكذلك عملية فجر ليبيا وهي عسكرية أيضاً بدأت يوم 13 يوليو 2014 وهي قبل حكم المحكمة  الشهير في 6 نوفمبر 2014 القاضي بإبطال صحة قانون انتخابات مجلس النواب لم تر في نفسها مشروعاً سياسياً بديلاً.  “محاربة داعش” محاربة الإرهاب في ليبيا حمال أوجه كما يُقال، لتوظيفه سياسياً في الصراع وكثيراً ما تتقاذف به الخصوم، ومع هذا خاض الجميع حرباً ضد تنظيم  (داعش) في درنة وبنغازي وسرت، مع أن مجلس شورى درنة وقوات البنيان المرصوص وعملية الكرامة لكل منهم سُلطتهِ الشرعية. ناهيك على أن كل الأطراف أعلنت موقفها من الإرهاب كعدو يجب محاربته، وهذا ما لا نجده بوضوح عند أغلب الفصائل السورية  الإسلامية المعارضة المقاتلة، ولا في الحالة العراقية.

خلاصة القول إن سمات هذا الصراع غير التقليدي المتعدد في شعاراته وغير الثابت في قضيته وفي مواقفه، والمركب في تحالفاته، والمتناقض والمتداخل، بل إن أطرافه تلتزم بعدم تجاوز خطوط حمراء كوحدة البلاد ومدنية السلطة ومحاربة الإرهاب. كل هذا بالمقارنة مع طبيعة الصراع الدموي في ليبيا والتكلفة الباهظة التي تُدفع، هذه المعادلة تصلح للدلالة على وجهة نظري، القائلة إن الصراع  يتعدى حسابات تعارض المصالح الليبية. وتطرح تساؤلاً جوهرياً هل الصراع حول السلطة في ليبيا هـو العامل الأبرز في الأزمة ؟ أم إن صراع القوى المحلية هو أداة لصراع إقليمي أكبر؟

التدوينة الصراع الليبي بين سماتنا ودلالاتهم ؟ ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “الصراع الليبي بين سماتنا ودلالاتهم ؟”

إرسال تعليق