طرابلس اليوم

الأربعاء، 21 يونيو 2017

استراتيجية (انشطار السلطة) في إدارة الأزمة الليبية

,

فوزي العقاب/ عو المؤتمر الوطني العام السابق

تقوم فكرة المقالة على أن الصراع الليبي ليس تقليدياُ بين السلطة والمعارضة ، فلا وجود للمعنى التقليدي للمعارضة السياسية في الصراع الليبي ، وأن سلطة الدولة لم تستطع فرض إرادتها على كافة الإرادات الأخرى بعد انهيار سلطة القذافي . هنا تفترض المقالة أن هاتان السمتان هما نتيجة لنهج سياسي مُتبع من بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في إدارتها للأزمة من خلال خلق شرعيات متعددة لضمان حالة الضعف وعدم اختزال الصراع في طرف أو اثنان ، ولأن لا فراغ في السياسة، فعليه ضعف متعدد خير من أحادية أو ثنائية قوية عن طريق سياسة إضعاف القوي بدلاً من تقوية الضعيف، أي خلق توازن ضعف وليس توازن قوة.

وهذه النتيجة يتم تحقيقها من خلال استراتيجية تسميها المقالة بـ(انشطار السلطة) ، وهي توفير مناخ مناسب لانشطار السلطة، ويتم منها إنتاج سلطة جديدة، هذا المناخ يعتمد على اعتبارات سياسية بدلا من ركائز قانونية. الأمر الذي يخلق سلطة ناقصة ولا يلغي السابقة، بل يضعفها.

وسوف نتبين ذلك من خلال عرض سياق انشطارات السلطة من بداية 2011.

– نستطيع أن نعتبر الانشطار الأول لسلطة الدولة لليبية جاء مع اعتراف عدة دول بشكلٍ سريع بالمجلس الوطني الانتقالي، بهدف إضعاف سلطة القذافي والتي استمرت لمدة سبعة أشهر قبل سقوطها.

– الانشطارالثاني بعد تجاهل المجتمع الدولي الذي تمثله بعثة دعم الأمم المتحدة في ليبيا لقرار المحكمة في 14 نوفمبر 2014 القاضي بإبطال قانون انتخاب مجلس النواب والاعتراف بمجلس النواب كسلطة شرعية وحيدة في ليبيا بهدف إضعاف سلطة المؤتمر الوطني العام.

– الانشطار الثالث بعد اعتراف المجتمع الدولي من خلال بعثته الأممية بشرعية الاتفاق السياسي على أساس أن شرعية أي مؤسسة تنبثق منه، وتجاهل الإجراءات القانونية التي تتطلب ضرورة تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري عن طريق مجلس النواب، بهدف إضعاف سلطة مجلس النواب.

– الانشطار الرابع هو إدخال المؤتمر الوطني العام بعد عملية فجر ليبيا من جديد كطرف في الأزمة، وإعطاءه جزء من السلطة لها طابع استشاري، وتُشارك مجلس النواب في بعض مهامه تحت مسمى مجلس الدولة، وتجاهل من خلال بعثته الأممية غياب المؤتمر الوطني العام على التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق السياسي، بهدف زيادة إضعاف المؤتمر الوطني العام.

– الانشطار الخامس هو في اختيار مجلس رئاسي غير توافقي من ستة نواب بينهم الرئيس لهم حق النقض وثلاث وزراء دولة ، أسفر هذا على مقاطعة نائبين للمجلس الرئاسي واستمرار دورهم من خارج المجلس في المعارضة، ونائب قدم استقالته، الأمر الذي أضعف المجلس الرئاسي كون جميع قرارته أصبحت محل طعن.

– الانشطار السادس هو داخل مجلس النواب  حول الاتفاق السياسي بين مؤيدين للاتفاق منهم النائب الأول والثاني، ومعارضون له من بينهم رئيس مجلس النواب. نتج عن هذا الاختلاف مقاطعة للجلسات وتطور الأمر لمحاولة عقد جلسات للفريق المؤيد برئاسة النائبين في مدينة طرابلس، واستمرار انعقاد الجلسات في مدينة طبرق للفريق المناهض للاتفاق. الأمر الذي زاد من إضعاف مجلس النواب ورئاسته.

بعد هذه الانشطارات الست . يتضح ملامح المشهد السياسي في ليبيا كالآتي :

– أعضاء من المجلس النواب المؤيدين للاتفاق –  أعضاء من المجلس الرئاسي، وعسكرياً تمثلهُ قوة الكتائب الموجودة في طرابلس وقوات البنيان المرصوص. هذا الطرف يستمد شرعيته من الاعتراف الدولي.

– أعضاء مجلس النواب المناهضون للاتفاق – أعضاء من الحكومة الليبية المؤقتة ، عسكرياً تمثلهُ قوات عملية الكرامة.  هذا الطرف يستمد في شرعيته القانونية من عدم تضمين الاتفاق السياسي دستوريا.

– أعضاء المؤتمر الوطني العام المناهضون للاتفاق السياسي – أعضاء من حكومة الإنقاذ الوطني، عسكرياً تمثلهُ كتائب ثوار متفرقة بين مصراته والزاوية وغريان ودرنه وبنغازي .

هذا المشهد السياسي الليبي، رسمته استراتيجية أولوية الاعتبارات السياسية على الأسانيد القانونية، وهذه الاستراتيجية كما أسلفنا هي المناخ الملائم لانشطار السلطة. فالمتتبع للسياق يدرك أن هناك تجاهلاً من المجتمع الدولي للقيود القانونية التي تحول دون شرعية السلطة الداعم لها سياسياً في عملية إنتاج جديدة ، لذلك أعتقد أن هذه الاستراتيجية المتبعة لا تهدف لدعم سلطة جديدة، بقدر ما تحقق إضعاف سلطة قديمة.

لذا فكل السلطات المتصارعة التشريعية والتنفيذية المؤتمر والبرلمان وحكوماتها وحتى المجلس الرئاسي يسودها الانقسام وتعتبر منقوصة السلطة، والقوة العسكرية، لكل شرعية، لا تستطيع حسم الصراع لصالحها، بل بالكاد حماية مناطق نفوذها ،هذه النهج التفقيصي للشرعية إن صح التعبير، يقوم على إنتاج سلطة وإضعاف أخرى من خلال العملية الانشطارية للسلطة.

حتى يصل المجتمع الدولي لخيار يبدد مخاوفه ويحقق مصالحه. وهذه النتيجة تحتاج لبيئة قزمية ضعيفة يمكن إخضاع إراداتها عند الوصول للمنتج المطلوب.

أخيراً . تتنبأ المقالة احتمالية أن يكون المبعوث الأممي الجديد  يحمل معهُ سياسة انشطارية جديدة قد تكون داخل هيكلية الاتفاق نفسها وهو ما يتم الحديث عنه بأن يتم فصل المجلس الرئاسي عن الحكومة وبالتالي إنتاج سلطة جديدة، أو إعادة الاتفاق السياسي لطاولة الحوار مرة أخرى بهدف إضعاف أحد الأطراف، والمرشح في نظر المقالة للإضعاف القوة العسكرية لعملية الكرامة من خلال إعطاء دور سياسي لقيادتها بهدف خلق هوة بين القيادة والقوة للعلاقة غير المباشرة بينهما. أو أن تدعم البعثة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر مسار جديد ينتج عنه نوع سلطة جديدة منقوصة دون إلغاء السابقة ، ولعل هذا المشروع يتم الآن تداوله بين بعض الأطراف.

التدوينة استراتيجية (انشطار السلطة) في إدارة الأزمة الليبية ظهرت أولاً على ليبيا الخبر.



0 التعليقات على “استراتيجية (انشطار السلطة) في إدارة الأزمة الليبية”

إرسال تعليق